فأما الذين فتحوا كلها فإنهم ردّوا (أنّ) في كل السورة على قوله : فآمنا به، وآمنا بكل ذلك، ففتحت (أن) لوقوع الإيمان عليها، وأنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح، ويقبح في بعض، ولا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح، فإن الذي يقبح من ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعلُ مضارعٌ للإيمان يوجب فتح (أن) كما قالت العرب :
إذَا ما الغانيات بَرَزْنَ يومًا وزَجّجن الحواجب والعُيونا
فنصب العيون باتباعها الحواجب، وهي لا تزجج إنما تكحّل، فأضمر لها الكحل، وكذلك يضمر الموضع الذي لا يحسن في آمنّا، ويحسن صدقنا، وألهمنا، وشهدنا، ويقوي النصب قوله :﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلى الطَّرِيقَةِ ﴾ (١) فينبغي لمن كسر أن يحذف ( أنْ ) من ( لو ) لأن ( أنْ) لم تكن في حكاية. ألا ترى أنك تقول : أقول لو فعلتَ لفعلتُ، ولا تدخل ( أنْ).
أضمروا وأما الذين كسروا كلها فهم في ذلك يقولون :﴿ وأنْ لَوِ اسْتَقَامُوا ﴾ فكأنهم يميناً مع لو، وقطعوها عن النسق على أول الكلام، فقالوا : والله لو استقاموا، والعرب تدخل أن في هذا الموضع مع اليمني، تحذفها. قال الشاعر:
فأقسمُ لو شيء أتانا رسُوله سواك، ولكن لم نجدْ لك مدفعًا
وأنشدني آخر :
أما واللهِ أنْ لو كُنت حُرّا وما بالحُرِّ أنتَ ولا العتيقِ
ومن كسر كلها ونصب :﴿ وأن المساجد لله ﴾ خصّه الله بالوحي، وجعل : وأنْ لو مضمرة فيها اليمين على ما وصفت لك " (٢).
(٢) معاني القرآن، ( ج٣ / ١٩١ ـ١٩٢ ).