غَيره؛ والرجمة: أَحْجَار الْقَبْر، ثمَّ عبر بهَا عَنهُ؛ وَفِي الحَدِيث: " لَا ترجموا قَبْرِي "، أَي: لَا تضعوا عَلَيْهِ الرجمة.
وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى " فَاعل "؛ لِأَنَّهُ يرْجم غَيره بِالشَّرِّ، وَلكنه بِمَعْنى " مفعول " أَكثر، وَإِن كَانَ غير مقيس.
ثمَّ فِي كَونه مرجوما وَجْهَان:
الأول: أَن معنى كَونه مرجوما كَونه ملعونا من قبل الله تَعَالَى؛ قَالَ الله تَعَالَى: ﴿فَاخْرُج مِنْهَا فَإنَّك رجيم﴾ [الْحجر: ٣٤] واللعن يُسمى رجما.
وَحكى الله تَعَالَى - عَن وَالِد إِبْرَاهِيم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - أَنه قَالَ: ﴿لَئِن لم تَنْتَهِ لأرجمنك﴾ قيل: عَنى بقوله الرَّجْم بالْقَوْل.
وَحكى الله - تَعَالَى - عَن قوم نوح عَلَيْهِ السَّلَام أَنهم قَالُوا: ﴿لَئِن لم تَنْتَهِ يَا نوح لتكونن من المرجومين﴾ [الشُّعَرَاء: ١١٦] وَفِي سُورَة يس: ﴿لَئِن لم تنتهوا لنرجمنكم﴾ [يس: ١٨].
وَالْوَجْه: أَن الشَّيْطَان إِنَّمَا وصف بِكَوْنِهِ مرجوما؛ لِأَنَّهُ - تَعَالَى - أَمر الْمَلَائِكَة برمي الشَّيَاطِين بِالشُّهُبِ والثواقب؛ طردا لَهُم من السَّمَوَات، ثمَّ وصف بذلك كل شرير متمرد وَأما قَوْله فِي بعض وُجُوه الِاسْتِعَاذَة: إِن الله هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم، فَفِيهِ وَجْهَان:
الأول: أَن الْغَرَض من الِاسْتِعَاذَة الِاحْتِرَاز من شَرّ الوسوسة، وَمَعْلُوم أَن الوسوسة كَأَنَّهَا كَلَام خَفِي فِي قلب الْإِنْسَان، وَلَا يطلع عَلَيْهَا أحد، فَكَأَن العَبْد يَقُول: يَا من هُوَ يسمع كل مسموع، وَيعلم كل سر خَفِي أَنْت تعلم وَسْوَسَة الشَّيْطَان، وَتعلم غَرَضه مِنْهَا، وَأَنت الْقَادِر على دَفعهَا عني، فادفعها عني بِفَضْلِك؛ فَلهَذَا السَّبَب كَانَ ذكر السَّمِيع الْعَلِيم أولى بِهَذَا الْموضع من سَائِر الْأَذْكَار.
الثَّانِي: أَنه إِنَّمَا تعين هَذَا الذّكر بِهَذَا الْموضع؛ اقْتِدَاء بِلَفْظ الْقُرْآن؛ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نزع فاستعذ بِاللَّه إِنَّه سميع عليم﴾ [الْأَعْرَاف: ٢٠٠].
فصل فِي احتجاج الْمُعْتَزلَة لإبطال الْجَبْر
قَالَ ابْن الْخَطِيب - رَحمَه الله تَعَالَى -: قَالَت الْمُعْتَزلَة قَوْله: " أعوذ بِاللَّه " يبطل القَوْل بالجبر من وُجُوه: