وَقَالَ الْمُعْتَزلَة: الِاسْم غير الْمُسَمّى وَنَفس التَّسْمِيَة، وَالْمُخْتَار عندنَا أَن الِاسْم غير الْمُسَمّى، وَغير التَّسْمِيَة.
وَقبل الْخَوْض فِي ذكر الدَّلَائِل لَا بُد من التَّنْبِيه على مُقَدّمَة، وَهِي أَن قَول الْقَائِل: الِاسْم هَل هُوَ نفس الْمُسَمّى أم لَا؟ يجب أَن يكون مَسْبُوقا بِبَيَان أَن الِاسْم مَا هُوَ؟ وَأَن الْمُسَمّى مَا هُوَ؟ حَتَّى ينظر بعد ذَلِك فِي " الِاسْم " هَل هُوَ نفس الْمُسَمّى أم لَا؟
فَنَقُول: إِن كَانَ المُرَاد بِالِاسْمِ هَذَا اللَّفْظ الَّذِي هُوَ أصوات مقطعَة، وحروف مؤلفة، الْمُسَمَّاة تِلْكَ الذوات فِي أَنْفسهَا، وَتلك الْحَقَائِق بِأَعْيَانِهَا، فالعلم الضَّرُورِيّ حَاصِل بِأَن الِاسْم غير الْمُسَمّى؛ والخوض فِي هَذِه الْمَسْأَلَة على هَذَا التَّقْدِير يكون عَبَثا، وَإِن كَانَ المُرَاد بِالِاسْمِ ذَات الْمُسَمّى، وبالمسمى - أَيْضا - تِلْكَ الذَّات، فقولنا: " الِاسْم " هُوَ " الْمُسَمّى " مَعْنَاهُ: أَن ذَات الشَّيْء عين ذَات الشَّيْء، [وَهَذَا] وَإِن كَانَ حَقًا، إِلَّا أَنه من إِيضَاح الواضحات؛ وَهُوَ عَبث، فَثَبت أَن الْخَوْض فِي هَذَا الْبَحْث على جَمِيع التقديرات يجْرِي مجْرى الْعَبَث.
قَالَ الْبَغَوِيّ - رَحمَه الله تَعَالَى -: الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى، وعينه وذاته؛ قَالَ تبَارك وَتَعَالَى: ﴿إِنَّا نبشرك بِغُلَام اسْمه يحيى﴾ [مَرْيَم: ٧] ثمَّ نَادَى الِاسْم فَقَالَ: ﴿يَا يحيى﴾ [مَرْيَم: ١٢]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَا تَعْبدُونَ من دونه إِلَّا أَسمَاء سميتموها﴾ [يُوسُف: ٤٠] وَأَرَادَ الْأَشْخَاص المعبودة؛ لأَنهم كَانُوا يعْبدُونَ المسميات.
وَاعْلَم أَنا استخرجنا لقَوْل من يَقُول: الِاسْم نفس الْمُسَمّى تَأْوِيلا لطيفا، وَبَيَانه أَن لفظ الِاسْم اسْم لكل لفظ دلّ على معنى من غير أَن يدل على زمَان معِين، وَلَفظ الِاسْم كَذَلِك، فَوَجَبَ أَن يكون لفظ الِاسْم فِي هَذِه الصُّورَة نفس الْمُسَمّى، إِلَّا أَن فِيهِ إشْكَالًا، وَهُوَ أَن كَون الِاسْم للمسمى من بَاب الْمُضَاف، وَأحد المضافين لَا بُد وَأَن يكون مغايرا للْآخر.
فصل فِي الْأَدِلَّة على أَن الِاسْم لَا يجوز أَن يكون هُوَ الْمُسَمّى
" فِي ذكر الدَّلَائِل الدَّالَّة على أَن الِاسْم لَا يجوز أَن يكون هُوَ الْمُسَمّى ":
وَذَلِكَ أَن الْمُسَمّى قد يكون مَعْدُوما، فَإِن الْمَعْدُوم منفي سلب لَا ثُبُوت لَهُ. والألفاظ