قال: «كنا عند رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إذْ جاءه عمرو بن مُرَّةَ فقال له: يا رسول الله إنّ الله كتب عليَّ الشّقْوة، فلا أُرَانِي أُرْزقَ من دُفِّي بِكَفِّي، فائذن لي في الغناء من غير فَاحِشَةٍ. فقال عليه الصّلاة والسلام:» لا آذَنَ لَكَ ولا كَرَاهة ولا نعْمة كَذَبت أي عَدُوّ الله لقد رزقك الله [رزقاً] طيباً فاخترت ما حَرَّمَ الله عليك من رِزْقِهِ على ما أَحَلّ الله لك من حَلاَلِهِ، أَمَا لو قُلْتَ بعد هَذِهِ المقدّمة شيئاً ضَرَبْتُكَ ضرباً وجيعاً «.
وأما المعنى فإنَّ الله - تَعَالَى - منع المكلّف من الانتفاع بهن وأمر غيره بمنعه من الانتفاع به، ومن منع من أخذ الشيء والانتفاع به لا يقال: إنه رزقه إياه، ألا ترى أنه لا يقال: إن السلطان قد رزق جنده مالاً قد منعهم من أخذه، وإنما يقال: إنه رزقهم ما مكَّنهم من أخذه، ولا يمنعهم منه، ولا أمر بمنعهم منه.
وأجاب أصحابنا عن التمسُّك بالآيات بأنه كان الكلّ من الله، فإنه لا يُضَاف إليه ذلك؛ لما فيه من سُوءِ الأدب، كما يقال: يا خالق المحدثات والعرش والكرسي، ولا يقال: يا خالق الكِلاَب والخَنَازير، وقال: ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ الله﴾ [الإنسان: ٦] فخصّ اسم العباد بالمتّقين، وإن كان الكُفَّار أيضاً من العباد، وكلك هاهنا خصّ اسم الرزق بالحلال على سبيل التشريف، وإن كان الحرام رزقاً أيضاً.
وأجابوا عن التمسُّك بالخبر بأنه حُجَّة لنا؛ لأن قوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ:»
فَاخْتَرْتَ ما حَرَّمَ اللهُ عليك من رِزْقِه «صريح في أن الرزق قد يكون حراماً.
وأجابوا عن المعنى بأن هذه المسألة مَحْضُ اللغة، وهو أن الحرام هل يسمى رزقاً أم لا؟ ولا مجال للدلائل العقلية في الألفاظ، والله أعلم.
و»
نفقط الشيء: نفد، وكلّ ما جاء مما فاؤه نون، وعينه فاء، فدالّ على معنى ونحو ذلك إذا تأملت، قاله الزمخشري، وذلك نحو: نَفِدَ نَفَقَ نَفَرَ «نفذ» «نَفَشَ» «نَفَحَ» «نفخ» «نفض» «نفل».


الصفحة التالية
Icon