وثالثها: أنَّهُم ما كانوا تحت سياسة سائس، ولا تأديب مؤدب؛ فنشأوا كما شاءوا، ومن كان كذلك؛ خرج على أشدِّ الجهات فساداً.
ورابعها: أنَّ من أصبح وأمسى مشاهداً لوعظ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وبياناته الشافية، كيف يكون مُساوياً لمن لم يؤثر هذا الخير، ولم يسمع خبره؟
وخامسها: قابل الفواكه الجبلية بالفواكه البستانية، لتعرف الفرق بين أهل الحضرِ والباديةِ. و «أشَدّ» أصله: أشدد، وقد تقدم. وقوله «كُفْراً» نصب على الحال، و «نِفَاقاً» عطف عليه، و «أجْدَرُ» عطف على «أشَدّ».
الحكم الثاني: قوله: ﴿وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ..﴾ «أجْدَر» أي: أحَقُّ وأولى؛ يقال: هو جديرٌ وأجدرُ، وحقيقٌ وأحقُّ، وخليقٌ وأخلقُ، وقمنٌ بكذا، كلُّه بمعنى واحد، قال الليثُ: جَدَر يَجْدرُ جدارَةً، فهو جَديرٌ، ويُثَنَّى ويُجمع؛ قال الشاعر: [الطويل]
٢٨٣٦ - بخيْلٍ عليْهَا جِنَّةٌ عبْقريَّةٌ | جَديرُونَ يَوْماً أنْ ينَالُوا فَيسْتَعْلُوا |
وقوله: ﴿أَلاَّ يَعْلَمُواْ﴾ أي: بألاَّ يعلمُوا، فحذف حرف الجر؛ فجرى الخلافُ المشهور بين الخليل والكسائي، مع سيبويه والفراء. والمراد بالحدُودِ: ما أنزل الله على رسوله، وذلك لبعدهم عن سماع القرآن ومعرفة السُّننِ. ﴿والله عَلِيمٌ﴾ بما في قلوب خلقه:» حَكِيمٌ «فيما ف رض عليهم من فرائضه.
قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الأعراب مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً﴾.
نزلت في أعراب أسد وغطفان وتميم. «مَنْ» بمتدأ، وهي إما موصولةٌ، وإمَّا موصوفةٌ.
و «مَغْرَماً» مفعول ثانٍ؛ لأنَّ «اتَّخَذَ» هنا بمعنى «صيَّر». والمَغْرَمُ: الخسران، مشتق من الغرام، وهو الهلاك؛ لأنَّه سببه، ومنه: ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً﴾ [الفرقان: ٦٥]. وقيل أصله الملازمةُ، ومنه الغريمُ: للزومه من يطالبه، والمغرم: مصدر كالغرامةِ، والمغرم التزام ما لا يلزمُ. قال عطاءٌ: لا يرجُون على إعطائه ثواباً؛ ولا يخافون على إمساكه عقاباً، وإنَّما ينفقُ مغرماً ورياءً. و «يتربَّصُ» عطفٌ على «يتَّخِذ»، فهو إمَّا صلة، وإما صفة. والتَّربُّصُ: الانتظارُ. وقوله: ﴿بِكُمُ الدوائر﴾ فيه وجهان: