وقيل: أبدلتِ الهمزة من نفس الياء، نحو: لَبَأتُ بالحجِّ، ورثَأتُ فلاناً، أي: لَبَّيْتُ ورَثَيْتُ.
والثاني: أنَّ الهمزة أصليَّة، وأنَّ اشتقاقه من الدَّرْء وهو الدَّفْع، كقوله: ﴿وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا العذاب﴾ [النور: ٨]، ويقال: أدْرَأته، أي: جعلته دَارئاً، والمعنى: ولأجعلنَّكم بتلاوته خُصماء تَدْرَؤونني بالجدال، قال أبُو البقاء: «وقيل هو غلط؛ لأنَّ قارئها ظَنَّ أنَّها من الدَّرْءِ وهو الدَّفْعُ؛ وقيل: ليس بغلطٍ، والمعنى: لو شاء اللهُ لدفعكم عن الإيمان به».
وقرأ شهر بن حوشب، والأعمش: «وَلاَأنذَرْتكُم» من الإنذار، وكذلك هي في مصحف عبد الله. قوله: «فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً» أي: حِيناً، وهو أربعون سنة، «مِّن قَبْلِهِ» أي: من قبل نُزُول القرآن، فقيل: الضَّمير في «قبلِه» يعود على النُّزول، وقيل: على القرآن، وقيل: على وقت النُّزُول، و «عُمُراً» مشبَّهٌ بظرف الزَّمان، فانتصب انتصابه، أي: مدة متطاولة، وقيل: هو على حذف مضافٍ، أي: مقدار عُمُر، وقرأ الأعمشُ: «عُمْراً» بسكون الميم، كقولهم «عَضْد» في «عَضُد».
ثم قال: «أَفَلاَ تَعْقِلُون» أنَّهُ ليس من قبلي، قال المفسِّرون: لبث النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وشرَّف وكرَّم ومجدَّ وعظَّم فيهم قبل الوحْي أربعين سنة، ثم أوحي إليه، فأقام بمكَّة بعد الوحْي ثلاثة عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة، فأقام بها عشر سنين، ثم تُوفي، وهو ابن ثلاث وستِّين سنة.
وروى أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: أنه أقام بمكَّة بعد الوحي عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتُوُفِّي وهو ابن ستين سنة، والأول أشهر وأظهر.
قوله تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً﴾ الآية.
قال القرطبي: «هذا استفهامٌ بمعنى الجحد، أي: لا أحد أظلم ممَّن افترى على الله الكذب، وبدّل وأضاف شيئاً إليه ممَّا لم ينزل»، والمعنى: أنَّ هذا القرآن لوْ لَمْ يكُن من عند الله، لما كان أحدٌ في الدُّنيا أظلم على نفسه منِّي، حيث افتريتُه على الله، ولمَّا أقمتُ الدَّليلَ على أنَّه ليس الأمر كذلك، بل هُو وحيٌ من الله - تعالى -، وجب أن يقال: إنَّه ليس في الدُّنيا أحد أجهل، ولا أظلم على نفسه منكم.
والمقصود: نَفْي الكذب عن نفسه.
وقوله: «... أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ» فالمراد: إلحاق الوعيد الشديد بهم؛ حيث أنكروا


الصفحة التالية
Icon