وسيأتي لهذا مزيد بيان - إن شاء الله -، وممَّن ذهب إلى أنَّ هذا الموصول مجرورٌ عطفاً على الموصول قبله: ابن عطيَّة، وأبو القاسم الزمخشري.
الثاني: أن «الَّذينَ» مبتدأ، و «جَزَآءُ سَيِّئَةٍ» مبتدأ ثانٍ، وخبره «بمثلها»، والباء فيه زائدةٌ، أي: وجزاءُ سيئةٍ مثلها، كقوله - تعالى -: ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] كما زيدتْ في الخبرِ، كقوله: [الوافر]
٢٨٩٤ - فَلاَ تَطْمَعْ - أبَيْتَ اللَّعنَ - فيها | ومنْعُكُهَا بشيءٍ يُسْتَطَاعُ |
وكقول امرىء القيس: [الطويل]
٢٨٩٥ - أ - فإنْ عنْهَا حِقْبَةً لا تُلاقِهَا | فإنَّكَ ممَّا أحْدَثَتْ بالمُجَرِّبِ |
الثالث: أنَّ الباء ليست بزائدةٍ، والتقدير: مقدَّر بمثلها، والمبتدأ الثاني وخبرُهُ خَبَرٌ عن الأول.
والرابع: أنَّ خبر «جزاء سيَّئةٍ» محذوفٌ، فقدَّرهُ الحُوفيُّ بقوله: «لهم جزاءُ سيئة»، قال: ودلَّ على تقدير «لَهُمْ»، قوله: ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى﴾ حتى تتشاكل هذه بهذه، وقدَّرهُ أبو البقاء: جزاءُ سيِّئة مثلها واقع، وهُو وخبرُهُ أيضاً خبرٌ عن الأول، وعلى هذين التقديرين، فالباء متعلقةٌ بنفس «جزاءُ» ؛ لأنَّ هذه المادَّة تتعدَّى بالباءِ، قال - تعالى -: ﴿جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ﴾ [سبأ: ١٧]، ﴿وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ﴾ [الإنسان: ١٢] إلى غير ذلك.
فإن قلت: أين الرَّابطُ بين هذه الجملة، والموصول الذي هو المبتدأ.
قلت: على تقدير الحوفيُّ، هو الضمرُ المجرور باللاَّم المقدَّر خبراً، وعلى تقدير أبي البقاء: هو محذوفٌ، تقديره: جزاءُ سيئة بمثلها منهُم واقعٌ، نحو: «السَّمْنُ منوانِ بدرهم»، وهو حذفٌ مُطَّرِد، لما عرف.
الخامس: أن يكون الخبرُ، الجملة المنفيَّة من قوله: ﴿مَّا لَهُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ﴾، ويكون «مِنْ عَاصمٍ» إمَّا فاعلاً بالجارِّ قبله؛ لاعتماده على النَّفي، وإمَّا مبتدأ، وخبرُه الجارُّ مقدماً عليه، و «مِنْ» مزيدة فيه على كلا القولين، و «مِنَ الله» متعلِّق ب «عَاصِم»، وعلى