قال ابن عطيَّة: فإذا كان نعتاً - يعني: مُظلماً: نعتاً لقطع - فكان حقه أن يكون قبل الجملة، ولكن قد يجيء بعد هذا، وتقدير الجملة: قطعاً استقرَّ مظلماً، على نحو قوله: ﴿وهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ [الأنعام: ٩٢].
قال أبو حيَّان: «ولا يتعيَّن تقدير العامل في المجرور بالفعل، فيكون جملة، بل الظاهرُ تقديره باسم الفاعل، فيكون من قبيل الوصف بالمفرد، والتقدير: قطعاً كائناً من اللَّيل مُظْلِماً».
قال شهاب الدِّين: «المحذُورُ تقديمُ غير الصَّريح على الصَّريح، ولو كان مُقدَّراً بمفرد»، و «قِطَعاً» : منصوبٌ ب «أغْشِيتْ»، مفعولاً ثانياً.
فصل
المعنى: ﴿والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا﴾ ؛ لقوله: ﴿وَمَن جَآءَ بالسيئة فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠].
والفرق بين الحسنات والسيئات: أنَّه إذا زاد في الحسنات يكون تفضُّلاً، وذلك حسن، وفيه ترغيبٌ في الطَّاعة، وأمَّا الزِّيادة على قدر الاستحقاق على السيئات، فهو ظلمٌ، والله منزله عنه، ثم قال: ﴿وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ أي: هوانٌ وتحقير ﴿مَّا لَهُمْ مِّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ﴾ أي: ما لهم عاصمٌ من الله في الدُّنيا، ولا في الآخرة، ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ﴾ أي: أُلْبِسَتْ وجوههم، ﴿قِطَعاً مِّنَ الليل مُظْلِماً﴾ والمراد: سوادُ الوجه.
وقال حكماء الإسلام: المرادُ من هذا السَّواد، سوادُ الجَهْل، وظلمةُ الضَّلالة، فإنَّ العلم طبعه طبع النُّور، والجهل طبعُه طبع الظُّلْمَة.
قيل: المراد بقوله: ﴿والذين كَسَبُواْ السيئات﴾ : الكفار؛ لأن سواد الوجه من علامات الكفر، قال تعالى: ﴿مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [آل عمران: ١٦٠] وقال: ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أولئك هُمُ الكفرة الفجرة﴾ [عبس: ٤٠ - ٤٢].
وقال القاضي: ﴿والذين كَسَبُواْ السيئات﴾ عامٌّ يتناول الكافر، والفاسق، وأجيبُ: بأن الصيغة وإن كانت عامَّة، إلاَّ أن الدلائل التي ذكرناها مخصِّصة، ثم قال: ﴿أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾