جعفر النَّحاس: لا يقدر أحدٌ أن ينطقَ به. قال شهاب الدِّين: «وقد قال في التيسير:» والنَّصُّ عن قالون بالإسكان «، قلت: ولا بعد في ذلك؛ فقد تقدَّم أنَّ بعض القُرَّاء يَقْرَأ ﴿نِعْمَّا﴾ [النساء: ٥٨] و ﴿لاَ تَعْدُواْ﴾ [النساء: ١٥٤] بالجمع بين الساكنين، وتقدَّمت لك قراءاتٌ كثيرة، في قوله ﴿يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٠]، وسيأتي مثل هذا في ﴿يَخِصِّمُونَ﴾ [يس: ٤٩].
وقرأ الأخوان» يَهْدِي «بفتح الياء، وسكون الهاء، وتخفيف الدال، من هدى يَهْدي، وفيه قولان:
أحدهما: أنَّ» هَدَى «بمعنى: اهتدى.
والثاني: أنَّه متعدٍّ، ومفعوله محذوفٌ كما تقدَّم، وتقدم في قول الكسائي، والفرَّاء في ذلك، وردُّ المبرد عليهما.
وقال ابن عطيَّة:» والذي أقول: قراءةُ حمزة، والكسائيُّ؛ تحتمل أن يكون المعنى: أمْ مَنْ لا يهدي أحداً، إلاَّ أنْ يهدي ذلك الأحدُ بهداية الله، وأمَّا على غيرها من القراءات التي مقتضاها: أمْ مَنْ لا يهتدي، إلاَّ أنْ يُهْدَى. فيتجه المعنى على ما تقدَّم «، ثم قال:» وقيل: تمَّ الكلامُ عند قوله: «أمْ مَنْ لا يَهَدِّي»، أيك لا يهدِّي غيره «، ثم قال:» إلاَّ أنَّ يَهْدَى: استثناءٌ منقطع، أي: لكنه يحتاجُ إلى أن يُهْدَى، كما تقول: فلانُ لا يسمع غيره، إلاَّ أنْ يسمع، أي: لكنَّه يحتاجُ إلى أن يسمع «.
انتهى، ويجوز أن يكون استثناءً متصلاً؛ لأنَّه إذ ذاك يكون فيهم قابليَّةُ الهداية، بخلافِ الأصنام، ويجوز أن يكون استثناء من تمامِ المفعول له، أي: لا يهدي لشيءٍ من الأشياء، إلاَّ لأجْل أن يُهْدَى بغيره.
قوله: «فَمَا لَكُمْ» : مبتدأ وخبر، ومعنى الاستفهام هنا: الإنكارُ والتعجُّبُ، أي: أيُّ شيءٍ لكم في اتِّخاذ هؤلاء؛ إذا كانوا عاجزين عن هداية أنفسهم، فكيف يمكن أن يهدوا غيرهم؟ وقد تقدَّم: أنَّ بعض النحويين نصَّ على أنَّ مثل هذا التركيب، لا يتمُّ إلاَّ بحالٍ بعده، نحو: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ﴾ [المدثر: ٤٩]، ﴿وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ﴾ [المائدة: ٨٤] إلى غير ذلك، وهنا لا يمكن أن تقدَّر الجملةُ بعد هذا التركيب حالاً؛ لأنَّها استفهاميَّة، والاستفهاميَّة لا تقع حالاً.
وقوله: ﴿كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ : استفهامٌ آخر، أي: كيْفَ تحكمُونَ بالباطل، وتجعلُون لله أنْداداً، وشُركاء؟.