فرقةٌ فقرأت: «وشُرَكائِكُمْ» بالخفضِ، ووُجِّهَتْ على حذف المضاف، وإبقاء المضاف إليه مجرُوراً على حاله؛ كقول الشاعر:

٢٩١٩ - أكُلَّ امرِىءٍ تَحْسِبينَ امْرَءًا ونَارٍ توقَّدُ باللَّيْل نَارَا
أي: وكُلَّ نار، فتقدير الآية: وأمر شركائكم؛ فحذف الأمر، وأبقى ما بعده على حاله، ومن رأى برأي الكوفيين جوَّزَ عطفه على الضَّمير في «أمركم» من غير تأويل، وقد تقدَّم ما فيه من المذاهب، أعني: العطف على الضَّمير المجرور من غير إعادة الجارِّ في سُورة البقرة.
قوله: «غُمَّةً» يقال: غمٌّ وغُمَّةٌ، نحو كَرْبٌ وكُربَةٌ.
قال أبو الهيثم: هو من قولهم: غمَّ علينا الهلالُ، فهو مغمومٌ إذا التمسَ، فلم يُرَ؛ قال طرفةُ بن العبد: [الطويل]
٢٩٢٠ - لعَمْرُكَ ما أمْرِي عليَّ بغُمَّةٍ نَهَاري ولا لَيْلِي عليَّ بِسرمَدِ
وقال اللَّيث: يقال: هُو في غُمَّةٍ من أمره، إذا لَمْ يتبيَّنْ لهُ.
قوله: ﴿ثُمَّ اقضوا﴾ مفعول «اقضوا» محذوف، أي: اقضُوا إليَّ ذلك الأمر الذي تريدون إيقاعه بي؛ كقوله: ﴿وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمر﴾ [الحجر: ٦٦] فعدَّاه لمفعول صريح.
وقرأ السَّري: «ثُمَّ أفْضُوا» بقطع الهمزة والفاء، من أفْضى يُفضِي إذا انتهى، يقال: أفضَيْتُ إليك، قال تعالى: ﴿وَقَدْ أفضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٢١]، فالمعنى: ثُمَّ أفضُوا إليَّ سرَّكم، أي: انتهوا به إليَّ، وقيل: معناه: أسْرِعُوا به إليَّ، وقيل: هو مِنْ أفْضَى، أي: خَرَجَ إلى الفضاءِ، أي: فأصْحِرُوا به إليَّ، وأبرزُوه لي؛ كقوله: [الطويل]
٢٩٢١ - أبَى الضَّيْمَ والنُّعْمَانُ يَحْرِقُ نابهُ عليه فأفْضَى والسُّيُوفُ معاقِلُه
ولامُ الفضاءِ واوٌ؛ لأنَّه من فضا يَفْضُو، أي: اتَّسعَ، والمعنى: فأحكمُوا أمركُم، واعزِمُوا وادعُوا شُركَاءَكُم، أي: آلهتكُم، فاستعينوا بها لتجتمع.
وروى الأصمعي، عن نافع: «فأجمعُوا ذوي الأمر منكم» فحذف المضاف، وجرى على المضاف إليه ما كان يجري على المضاف لو ثبت.


الصفحة التالية