والفعل بعدها منصوبٌ ب «أنْ» نفسها، وعلى هذه التقادير ف «أنْ» : إما في محلِّ جرٍّ أو نصبٍ أو رفع، فالجرُّ والنصبُ على أنَّ الأصل: لأنْ لا تعبدوا، أو بأن لا تعبدوا، فلما حذف الخافضُ جرى الخلافُ المشهور، والعاملُ: إمَّا «فُصِّلتْ» وهو المشهورُ، وإمَّا «أحْكِمَتْ» عند الكوفيين.
فتكون المسألة من باب الإعمال؛ لأنَّ المعنى: أحْكِمَتْ لئلاَّ تعبدُوا أو بأن لا تعبدُوا. ف «أنْ لا تعبدُوا» هو المفعول الثاني ل «ضمَّن» والأولُ قام قمام الفاعل.
والرفع فمن أوجه:
أحدها: أنَّها مبتدأٌ، وخبرها محذوفٌ، فقيل: تقديره: من النَّظر أن لا تعبدوا إلاَّ الله.
وقيل: تقديره: في الكتاب ألاَّ تبعدوا إلاَّ الله.
والثاني: خبر مبتدأ محذوف، فقيل: تقديره: تفصيلُه ألاَّ تعبدوا إلا الله.
وقيل: تقديره: هي أن لا تعبدوا إلاَّ الله.
والثالث: أنه مرفوعٌ على البدل من «آياته».
قال أبو حيَّان: وأمَّا من أعربه أنَّهُ بدلٌ من لفظ «آيات» أو من موضعها، يعني: أنَّها في الأصْلِ مفعولٌ بها فموضعا نصبٌ، وهي مسألة خلافٍ، هل يجُوزُ أن يُراعَى أصلُ المفعولِ القائم مقام الفاعلِ، فيتبع لفظهُ تارة وموضعهُ أخرى، فيقال: ضُرِبَتْ هندٌ العاقلة بنصب العاقلة باعتبار المحلِّ، ورفعها باعتبار اللفظ، أمْ لا؟.
مذهبان، المشهور مراعاة اللفظ فقط.
الوجه الثالث: أن تكون مفسرة؛ لأنَّ في تفصيل الآيات معنى القول؛ فكأنَّه قيل: لا تعبدوا إلاَّ الله إذْ أمركم، وهذا أظهرُ الأقوالِ، لأنَّهُ لا يُحْوِجُ إلى إضمار.
قوله: «مِنْهُ» في هذا الضمير وجهان:
أظهرهما: أنَّهُ يعودُ على الله تعالى، أي: إنَّ لكم من جهة الله نذيرٌ وبشير، نذير للعاصين، وبشير للمطيعين.
قال أبو حيان: فيكون في موضع الصِّفةِ، فيتعلقُ بمحذوفٍ، أي: كائن من جهته، وهذا على ظاهره ليس بجيِّد؛ لأنَّ الصفة لا تتقدَّمُ على الموصوفِ، فيكف تجعل صفةً ل «نذير» ؟ وكأنَّه يريد أنه صفةٌ في الأصل لو تأخَّر، ولكن لمَّا تقدَّم صار حالاً، وكذا صرَّح به أبو البقاءِ، فكان صوابه أن يقول: فيكون في موضع الحالِ، والتقدير: كائناً من جهته.
الثاني: أنَّهُ يعودُ على الكتابِ، أي: نذيرٌ لكم من مخالفته، وبشيرٌ منه لمن آمن وعمل صالحاً وفي متعلق هذا الجارِّ أيضاً وجهان:
أحدهما: أنَّه حالٌ من نذير، فيتعلَّق بمحذوفٍ كما تقدَّم.
والثاني: أنه متعلقٌ بنفس نذير، أي: أنذركم منه ومن عذابه إن كفرتم، وأبشركم بثوابه إن آمنتم.