فجاء مضارع «اثْنَأنَّ» على ذلك كقولك احْمَأرَّ يَحمَئِرُّ كاطمأنَّ يَطْمَئِنُّ.
وأمَّا «صُدورُهم» فبالرَّفع على ما تقدَّم.
وقرأ الأعمش أيضاً تَثْنَؤُونَ بفتح الياء وسكون المثلثة وفتح النون وهمزة مضمومة وواوٍ ساكنةٍ بزنة تَفْعَلُون كَتَرْهَبُون. صُدورَهُم بالنَّصْبِ.
قال صاحبُ اللَّوامِحِ: ولا أعرف وجهه يقال: «ثَنَيْتُ» ولم أسمعْ «ثَنَأتُ»، ويجوز أنَّهُ قلب الياء ألفاً على لغةِ من يقول: «أعْطات» في «أعْطَيْتُ»، ثُمَّ همز الألف على لغةِ من يقول: ﴿ولا الضَّأْلين﴾ [الفاتحة: ٧].
وقرأ ابنُ عبَّاس أيضاً - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «تَثْنَوِى» بفتح التَّاءِ وسكون المثلثة، وفتح النُّونِ وكسر الواو بعدها ياءٌ ساكنةٌ بزنة «تَرْعَوِى» وهي قراءةٌ مشكلة جداً حتَّى قال أبو حاتم: وهذه القراءة غلطٌ لا تتجه، وإنَّما قال إنَّها غلطٌ؛ لأنَّه لا معنى للواوِ في هذا الفعل إذ لا يقالُ: ثَنَوْتُهُ فانْثَوَى كرعَوْتُه، أي: كففته فارعَوَى، أي: فانكفَّ، ووزنه افعلَّ كاحْمَر.
وقرأ نصرُ بنُ عاصمٍ وابنُ يعمر وابن أبي إسحاق «يَنْثُونَ» بتقديم النُّون السَّاكنة على المثلثة.
وقرأ ابنُ عباس أيضاً «لَتَثْنَونِ» بلام التأكيد في خبر «إنَّ» وفتح التَّاءِ وسكون المثلثة وفتح النون وسكون الواو بعدها نونٌ مكسورةٌ وهي بزنة «تَفْعَوْعِلُ»، كما تقدَّم إلاَّ أنَّها حذفت الياء، التي هي لامُ الفعل تخفيفاً كقولهم: لا أدْرِ وما أدْرِ. و «صُدورهم»، فاعل كما تقدم.
وقرأ طائفة: «تَثنؤنَّ» بفتح التَّاءِ ثم ثاء مثلثة ساكنة ثم نُون مفتوحةٍ ثم همزة مضمومةٍ ثم نون مشددة، مثل تَقْرَؤنَّ، وهو مِنْ ثَنَيْتُ، إلاَّ أنَّه قلب الياءَ واواً؛ لأنَّ الضمة تُنافِرُهَا، فجعلت الحركةُ على مُجانِسها، فصار اللفظُ «تَثْنَوونَ» ثم قلبت الواوُ المضمومةُ همزة كقولهم: «أجُوه» في «وُجُوه» و «أقِّتَتْ» في «وقِّتَت» فصار «تَثْنَؤونَ»، فلمَّا أكَّد الفعل بنونِ التَّوكيد حذفت نونُ الرَّفع فالتقى ساكنان: وهما واوُ الضمير والنون الأولى من نون التَّوكيد، فحذفت الواو وبقيت الضَّمةُ تدلُّ عليها؛ فصار «تَثْنَؤنَّ» كما ترى و «صُدورَهُم» منصوب مفعولاً به فهذه إحدى عشرةَ قراءةً مضبوطة.
قوله تعالى: ﴿لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ﴾ فيه وجهان:


الصفحة التالية
Icon