قوله: «شَاهِدِينَ» الجمهور على قراءته بالياء نصباً على الحال من فاعل: «يَعْمُرُوا» أراد: وهم شاهدون. وقرأ زيد بن علي: «شَاهِدُون» بالواو رفعاً على خبر ابتداءٍ مضمر، والجملةُ حالٌ أيضاً.
قوله «على أَنْفُسِهِمْ» الجمهور على «أنفُسهم» جمع «نَفْس» وقرىء «أنفسهم» بضم الفاء، ووَجْهُهَا أن يُرادَ ب «الأنْفَس» - وهو الأشرف الأجل من النَّفَاسة -: رسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
قيل: لأنه ليس بطنٌ من بطون العرب إلاَّ وله فيهم ولادة، وهذا المعنى منقولٌ في تفسير قراءة الجمهور أيضاً، وهو مع هذه القراءة أوضح.
فصل
قال الحسنُ: «لم يقولوا نحن كفار، ولكن كلامهم بالكفر شاهد عليهم بالكفر».
وقال الضحاك عن ابن عبَّاسٍ: «شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم للأصنام، فكانوا يطوفون بالبيت عراة، وكانت أصنامهم منصوبة بخارج البيت الحرام عند القواعد، وكلَّما طافُوا شَوْطاً سَجَدُوا لأصْنَامِهِمْ، ولم يَزْدَادُوا بذلك من الله إلاَّ بُعْداً».
وقال السدي: «شهادتهم على أنفسهم بالكفر، هو أن النصراني يسأل من أنت؟ فيقول: أنا نصراني، واليهودي يقول أنها يهودي، ويقال للمشرك ما دينك؟ فيقول: مشرك».
وقيل: إنَّهم كانُوا يقولون: لبيك لا شريك لك إلاَّ شريك هو لك تملكه وما ملك، ونقل عن ابن عباس أنه قال: «المرادُ أنهم يشهدون على الرسول بالكفر، قال: وإنَّما جازَ هذا التفسيرُ، لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ [التوبة: ١٢٨].
قال القاضي» هذا عدول عن الحقيقة، وإنما يجوز المصير إليه لو تعذَّر إجراءُ اللفظ على حقيقته، أمَّا لما بيَّنا أنَّ ذلك جائز لم يجز المصير إلى هذا المجاز «.
قوله ﴿أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ لأنها لغير الله، ثم قال: ﴿وَفِي النار هُمْ خَالِدُونَ﴾ هذه جملةٌ مستأنفة و» في النَّارِ «متعلقٌ بالخبرِ، وقُدِّم للاهتمام به، ولأجل الفاصلة.
وقال أبُو البقاءِ:» وهم خالدون في النَّارِ، وقد وقع الظرفُ بين حرف العطف