عنده فهلاَّ أنزل عليك ما تستغني به في مهماتك وتعين أنصارك، وإن كنت صادقاً فهلاَّ أنزل الله معك ملكاً يشهد لك على صدق قولك، ويعينك على تحصيل مقصودك وتزول الشبهة في أمرك، فلمَّا لم يفعل لك ذلك فأنت غير صادقٍ، فبيَّن الله تعالى أنَّهُ رسول ينذر بالعقاب ويبشر بالثَّواب وليس له قدرة على إيجاد هذه المطلوبات، والذي أرسله هو القادرُ على ذلك فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، ولا اعتراض لأحدٍ عليه.
ومعنى «وكيلٌ» : حفيظ أي: يحفظُ عليهم أعمالهم، حتى يجازيهم بها، ونظير هذه الآية، قوله تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً﴾ [الإسراء: ٩٠] إلى قوله: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً﴾ [الإسراء: ٩٣].
قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افتراه قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ [هود: ١٣].
لمَّا طلبوا منه المعجز قال: معجزتي هذا القرآن، فلمَّا حصل المعجز الواحد كان طلب الزِّيادة بغياً وجهلاً.
وفي «أمْ» هذه وجهان:
أحدهما: أنها منقطعةٌ فتقدَّر ب «بَلْ» والهمزة، فالتقدير: بل أتقولون افتراه. والضمير في «افتراهُ لما يوحى.
والثاني: أنَّها متصلة، فقدَّروها بمعنى: أيكفرون بما أوحينا إليك من القرآن أم يقولون إنَّهُ ليس من عند الله؟
قوله» مِثْلِهِ «نعت ل» سُورٍ «و» مثل «وإن كانت بلفظ الإفراد فإنه يوصف بها المثنى والمجموع والمؤنث، كقوله تعالى: ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾ [المؤمنون: ٧٤] ويجوز المطابقة. قال تعالى: ﴿وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ﴾ [الواقعة: ٢٢، ٢٣] وقال تعالى: ﴿ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم﴾ [محمد: ٣٨].
قال ابن الخطيب:» مِثلِهِ «بمعنى» مثاله «حملاً على كُلِّ واحدة من تلك السور، ولا يبعد أيضاً أن يكون المرادُ المجموع؛ لأنَّ مجموع السور العشرة شيء واحد. والهاء في» مِثْلِهِ «تعود لما يوحى أيضاً، و» مُفْترياتٍ «صفة ل» سُورٍ «جمع» مُفْتراة «ك» مُصْطفيَات «في» مُصْطَفاة «فانقلبت الألفُ ياءً كالتثنية.
فصل
قال ابنُ عباسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - هذه السور التي وقع بها التَّحدي سور معينه، هي سورة البقرة وآل عمران والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، والتوبة، ويونس وهود، فقوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ﴾ الإشارة إلى هذه السور وهذا فيه