الثاني: قال المازنيُّ: إنَّ» هيا لمخففة ثقلت: وهي نافيةٌ معنى «مَا» كما خففت «إنَّ» ومعناها المثقلة، «ولمَّا» بمعنى «إلاَّ» وهذا قولٌ ساقطٌ جدًّا لا اعتبار به، لأنَّهُ لم يُعْهَدْ تثقيلُ «إنْ» النافية، وأيضاً ف «كلاًّ» بعدها منصوبٌ، والنافيةُ لا تنصبُ.
قال أبُو عمرو بنُ الحاجب - في أماليه -: «لمَّا» هذه هي الجازمة فحذف فعلها للدَّلالةِ عليها، لما ثبت من جوازِ حذف فعلها في قلوهم: «خرجتُ ولمَّا، وسافرتُ ولمَّا» وهو سائغٌ فصيح، ويكونُ المعنى: وإنَّ كُلاً لمَّا يهملوا أو يتركُوا لما تقدَّم من الدَّلالةِ عليه من تفصيل المجموعين بقوله: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود: ١٠٥]، ثمَّ فصَّل الأشقياءَ والسُّعداء، ومجازاتهم ثُمَّ بيَّن ذلك بقوله: ﴿لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ﴾ قال: «وما أعرفُ وجهاً أشبهَ من هذا، وإن كانت النفوسُ تَسْتبعدُهُ من جهة أنَّ مثلهُ لمْ يردْ في القرآن»، قال: «والتَّحْقِيقُ يَأبَى استعادهُ».
قال شهابُ الديِّن: وقد نصَّ النَّحويون على أنَّ «لمَّا» يحذفُ مجزومها باطِّرادٍ، قالوا: لأنَّها لنفي قَدْ فعل، وقد يحذف بعدها الفعل؛ كقوله: [الكامل]
٣٠٣٤ - أفِدَ التَّرْحُّلْ غَيْرَ أنذَ رِكَابنَا | لمَّا تزلْ بِرحَالِنَا وكأنْ قَدِ |
٣٠٣٥ - فَجِئْتُ قُبُورَهُمْ بَدْءاً ولمَّا | فَنادَيْتُ القُبورَ فَلَمْ يُجِبْنَهْ |
قال: وقوله: «ولمَّا» أي: ولمّا أكُنْ سيِّداً إلاَّ حين ماتُوا، فإنِّي سدتُ بعدهم؛ كقول الآخر: [الكامل]
٣٠٣٦ - خَلَتِ الدِّيَارُ فَسُدْتُ غَيْرَ مُسَوَّد | ومن العناءِ تفرُّدِى بالسُّؤدُدِ |
ما نِلْتُ ما قَدْ نِلْلتُ إلاَّ بَعْدَمَا | ذَهَبَ الكِرامُ وسَادَ عَيْرُ السَّيِّد |
٣٠٣٧ - أفِدَ التًّرَحُّلُ..................................
قال شهابُ الدِّين: وهذا الوجهُ لا خصوصية لهُ بهذا القراءة، بل يَجِيءُ في قراءة من شدَّد «لمَّا» سواءً شدَّد «إن» أو خففها.