قوله تعالى: «ذَلِكَ» خبرُ مبتدإٍ مضمرٍ، أي: الأمرُ ذلك، و «لِيَعْلمَ»، متعلقٌ بضميرٍ، أي: أظهر ذلك؛ ليعلم، أو مبتدأ، وخبره محذوفٌ، أي: ذلك الذي صرَّحتُ به عن براءته، أمرٌ من الله لا بُدَّ منه، و «لِيَعْلمَ» متعلقُ بذلك الخبر، أو يكون «ذَلِكَ» مفعولاً لفعلٍ مقدَّرٍ يتعلق به هذا الجار أيضاً، أي: فعل الله ذلك، أو فعلته أنا بتيسير الله.
قوله: «بِالغَيْبِ» يجوز أن تكون الباءُ ظرفية قال الزمخشريُّ: أي مكان الغيب، وهو الخفاء، والاستتارُ وراء الأباب السبعة المغلقةِ، ويجوز أن تكون الباءُ للحالِ، إمَّا من الفاعل، على معنى: وأنا غائبٌ عنه خفي عن عينه.
وإمَّا من المعفولِ على معنى: وهو غائب عني خفي عن عيني.
«وأنَّ اللهَ» نسقٌ على «أنِّي»، أي: ليعلم الأمرينِ، وهذا من كلام يوسف صلوات الله وسلامه عليه وبه بدأ الزمخشري، كالمختار له.
وقال غيره: إنه من كلام امرأة العزيزِ، وهو الظَّاهرُ.
فإن قلنا: هو من كلام يوسف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فمتى قالهُ؟.
وروى عطاءٌ، عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم: أنَّ يوسف لما دخل على الملك، قال «ذلكَ»، وإنما ذكره بلفظِ الغيبة تعظيماً للملك عن الخطاب.
قال ابنُ الخطيب: «والأولى أنه صلوات الله وسلامه عليه إنما قال ذلك عند عود الرسول إليه، لأنَّ ذكر هذا الكلام في حضرةِ الملك، سوء أدبٍ».
فإن قيل: هذه الخيانة لو وقعت، كانت في حقِّ العزيزِ، فكيف قال: ﴿ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾ ؟.
فالجوابُ: قيل: المرادُ ذلك ليعلم الملك أنِّي لم أخنِ العزيز بالغيبِ، فتكون الهاءُ في «أخُنْهُ» تعود على العزيز.
وقيل: إنَّه إذا خان وزيره، فقد خانه من بعض الوجوه.
وقيل: إن الشرابي لما رجع إلى يوسف عليه السلام وهو في السجن، قال: ﴿ذلك لِيَعْلَمَ﴾، العزيزُ ﴿أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾.
ثم ختم الكلام بقوله: ﴿وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخائنين﴾، ولعلَّ المراد منه: أني لو كنت خائناً، لما خلَّصني الله من هذه الورطةِ، وحيث خلصني منها، ظهر أنِّي كنت بريئاً مما نسبوني إليه.
وإن قلنا: إن قوله: ﴿ذلك لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بالغيب﴾ كلام امرأة العزيز، فالمعنى: أني