أكثر الأمر كهذه الآية، وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً﴾ [المرسلات: ٢٧].
فصل
قال القرطبي: في هذه الآية ردٌّ على من زعم أنَّ الأرض كالكرةِ لقوله: ﴿مَدَّ الأرض﴾، ورد على من زعم أن الأرض تهوي أبداً بما عليها، وزعم ابنُ الرَّوانديُّ: أنَّ تحت الأرض جسماً صاعداً كالرِّيحِ الصعادة، وهي منحدرة فاعتدل الهاوي، والصعَّاعدي في الجرم والقوة فتوافقا.
وزعم آخرون: أن الأرض مركبة من جسمين.
أحدهما: منحدرٌ، والآخر: مصدع فاعتدلا، فلذلك وقفت، والذي عليه المسلمون، وأهل الكتاب القول بوقوف الأرض، وسكونها، ومدِّها، وأنَّ حركتها إنَّما تكونُ في العادةِ بزلزلةٍ تصيبها والله أعلم.
قوله: ﴿وَمِن كُلِّ الثمرات﴾ يجوز فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يتعلق ب «جَعَلَ» [بعده]، أي: وجعل فيها زوجين اثنين من كلِّ صنفٍ من أصناف الثمرات، وهو ظاهرٌ.
والثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنَّه حالٌ من: «اثْنَيْنِ» ؛ لأنَّه في الأصل صفة لهُ.
الثالث: أن يتمَّ الكلام على قوله: ﴿وَمِن كُلِّ الثمرات﴾ فيتعلق ب «جَعَلَ» الأولى على أنه من باب عطف المفردات، يعني عطف على معمول «جعل» الأولى تقديره: أنه جعل في الأرض كذا، وكذا ومن كل الثمرات.
قال أبو البقاء: ويكون «جَعل» الثاني مستأنفاً، و «يُغْشِي اللَّيْلَ» تقدَّم الكلام فيه، وهو إمَّا مستأنفٌ، وإمَّا حال من فاعل الأفعال.
فصل
المعنى: ومن كلِّ الثمرات جعل فيها زوجين، أي: صنفين اثنين: أصفر، وأحمر، وحلواً، وحامضاً.
وهذا النوعُ الثالث في الاستدلال بعجائب خلقة النبات.
واعلم أن الحبَّة إذا وقعت في الأرض ربت وكبرت؛ فبسبب ذلك ينشقُّ أعلاها وأسفلها، فيخرج من الشق الأعلى الشجرة الصَّاعدة، ويخرج من الشق الأسفل العروق