قال القاضي: هذا وإن كان محتملاً؛ لكن حمل اللفظ على الحقيقة أولى.
قال ابن الخطيب: «أقول على نصرة الأصم، بأن ظاهر الآية يقتضي حصول الأغلال في أعناقهم في الحالِ، وذلك غير حاصل، فإنهم يحملون هذا اللفظ على أنًَّه سيحصل هذا المعنى، ونحنُ نحمله على أنه حاصلٌ من الحالِ، والمراد بالأغلال ما ذكره فكلُّ واحدٍ منا تارك للحقيقة من بعض الوجوه، فلمَ كَانَ قولكم أقوى؟».
وقيل: المعنى: أنَّهُ تعالى يجعل الأغلال في أعناقهم يوم القيامة، ويدلُّ عليه قوله تعالى:
﴿إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ﴾ [غافر: ٧١] إلى قوله: ﴿ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ﴾ [غافر: ٧٢].
ثم قال: ﴿وأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدونَ﴾ والمراد منه التَّهديد بالعذاب المخلد المؤبّد، وذلك يدلُّ على أنَّ العذاب المؤبَّد ليس إلا للكفَّار؛ لأن قولهم: ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدونَ﴾ يدلُّ على أنَّهم هم الموصوفون بالخُلودِ لا غيرهم فدل على أنَّ أهل الكبائر لا يخلدون في النَّارِ.
فإن قيل: العجبُ هو الذي لا يعرف بسبب، وذلك في حق الله تعالى محالٌ، فكيف قال: «فعجَبٌ قَولُهُمْ» ؟.
فالجواب: المعنى: فعجب عنك.
فإن قيل: قرأ بعضهم: «بَل عَجِبْتُ» بإضافة العجب إلى نفسه.
فالجواب: أنَّا قد بيَّنا أنَّ مثل هذه الألفاظ يجبُ تنزيهها عن مبادىْ الأعراض ويجب حملها على نهايات الأعراض ونهاية التعجب أن الإنسان إذا تعجّب من الشيء أنكره، فكان التعجب في حقِّ الله تعالى محمولاً على الإنكار.
قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالسيئة قَبْلَ الحسنة﴾ وعلم أ، النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان يهددهم تارة بعذاب القايمة، وتارة بعذاب الدنيا، والقوم كلَّما هددهم بعذاب القيامة، أنكروا القيامة، والبعث، والنشر كما تقدَّم في الآية الأولى، وكلما هددهم بعذاب الدنيا استعجلوه، وذلك أنَّ مشركي مكَّة كانوا يطلبون العقوبة بدلاً من العافية استهزاء منهم يوقلون: ﴿اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الأنفال: ٣٢].
قوله «قَبْلَ الحَسَنةِ» فيه وجهان:
أحدهما: أنه متعلقٌ بالاستعجالِ ظرفاً لهُ.
والثاني: أنه متعلق بمحذوفٍ على أنَّه حال مقدرة من السيئة، قاله أبو البقاء. قوله: «وقَدْ خَلتْ» يجوز أن تكون حالاً وهو الظاهر، ويجوز أن تكون مستأنفة.