فصل
قال ابن عباس رضي اكلله عنه: يريد علم ما غاب عن خلقه وما شاهدوه.
قال الواحديُّ: «فعلى هذا» الغَيْب «مصدر يرادُ به الغائب، والشهادة أراد بها الشَّاهد».
واختلفوا في المراد بالغائب، والشَّاهد؛ فقيل: المراد بالغائب: [المعدوم]، وبالشَّاهد: الموجود. وقيل: الغائب مالا يعرفه الخلق.
واعلم أنَّ المعلومات قسمان: المعدمات، والموجودات.
والمعدومات منهنا معدوماتٌ يمتنع وجودها، ومعدومات لا يمتنع وجودها.
والموجودات قسمان: موجودات يمتنع عدمها، وموجودات لا يمتنع عدمها، وكل واحدٍ من هذه الأقسام الأربعة له أحكام، وخواص، والكل معلوم لله تعالى.
قال إمامُ الحرمين: الله تعالى معلوماتٌ لا نهاية لها وله في كل واحد من تلك المعلومات معلومات أخرى لا نهاية لها؛ لأن الجوهر الفرد يعلم الله تعالى من حاله أنه يمكن وقوعه في أحياز لا نهاية لها على البدل، وموصوف بأوصاف لا نهاية لها على البدل، وهو تعالى عالمٌ بكلِّ الأحوال على التفصيل وكل هذه الأقسام داخلة تحت قوله: ﴿عَالِمُ الغيب والشهادة﴾.
ثم قال: «الكَبِيرُ المُتعَالِ» وهو تعالى يمتنع أن يكون كبيراً بحسب الجثَّة والمقدار؛ فوجب أن يكون كبيراً بحسب القدرة الإلهيَّة، و «المُتعَالِ» المتنزه عن كلِّ ما لا يجوز عليه في ذاته، وصفاته.
قوله تعالى: ﴿سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ﴾.
في «سَواءٌ» وجهان:
أحدهما: أنه خبرٌ مقدمٌ، و: «مَنْ اسرَّ»، و «مَنْ جَهرَ» هو المبتدأ، وإنما لم يثن الخبر؛ لأنَّه في الأصل مصدر، وهو ههنا بمعنى متسوٍ، و «مِنكُمْ» على هذا حالٌش من الضمير المستتر في «سَواءٌ» ؛ لأنه بمعنى مستوٍ.
قال أبو البقاء: «ويضعف أن يكون حالاً من الضمير في» أسرَّ «، و» جَهَرَ «لوجهين:
أحدهما: تقديم ما في الصلة على الموصول، أو الصِّفة على الموصوف.
والثاني: تقديم الخبر على» مِنْكُم «وحقُّه أن يقع بعده».