مثل الباطل، فأمَّا الزَّبد الذي علا السيل والفلز، فيذهب جفاء، أي: ضائعاً باطلاً، والجفاء، ما رمى به الوادي من الزَّبد، والقدر إلى جنباته.
والمعنى: أنَّ الباطل، وإن علا في وقت فإنه يضمحلُّ، ويبقى الحق ظاهراً لا يشوبه شيء من الشُّبهات.
قوله: ﴿كذلك يَضْرِبُ الله﴾ الكاف في محل نصب، أي: مثل ذلك الضَّرب يضربُ.
قيل: إنَّما تمَّ الكلام عند قوله: ﴿كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال﴾ ثم استأنف الكلام بقوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبِّهِمُ الحسنى﴾ وملحه الرفع بالابتداء، و «للذين» خبره، وتقديره: لهم الخصلة الحسنى، أو الحالة الحسنى.
وقيل: متصل بما قبله، والتقدير: كأنه الذي يبقى، وهو مثل المستجيب، والذي يذهب جفاء مثل الذي لا يستجيب، ثمَّ بين الوجه في كونه مثلاً، أي: لمن يستجيب «الحُسْنَى» وهي الجنَّة، ولمن لا يستجيب الحسرة والعقوبة.
وفيه وجه آخر: وهو أنَّ التقدير: كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الحسنى، أي: الاستجابة الحسنى.
واعلم أنه تعالى ذكر هاهنا أحوال السعداء، وأحوال الأشقياء، أما أحوال السعداء، فهي قوله جل ذكره: ﴿لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبِّهِمُ الحسنى﴾، أي: أنَّ الذين أجابوه إلى ما دعاهم إليه من التوحيد، والتزام الشرائع، فلهم الحسنى.
قال ابن عبَّاس: «الحُسْنَى» الجنَّة.
وأمَّا أحوال الأشقياء، فهي قوله عزَّ وجلَّ: ﴿والذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ﴾، أي لبذلوا ذلك يوم القيامة افتداءً من النار.
قوله: ﴿لِلَّذِينَ استجابوا﴾ فيه وجهان:
أحدهما: أنَّه متعلقٌ ب «يَضْرِبُ»، وبه بدأ الزمخشري قال: «أي: كذلك يضرب الله الأمثال للمؤمنين الذين استجابوا؛ وللكافرين الذين لم يستجيبوا، و» الحُسْنَى «صفة لمصدر» اسْتَجَابُوا «، أي: استجابوا الاستجابة الحسنى، وقوله ﴿لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض﴾ كلام مبتدأ في ذكر ما أعدّ لغير المستجيبين».
قال أبو حيان: «والتفسير الأول أولى» يعني به أن «لِلَّذينَ» خبرٌ مقدمٌ و «الحُسْنَى» متبدأ مؤخَّر كما سيأتي.
إيضاحه قال: «لأن فيه ضرب الأمثال غير مقيد بمثل هذين، والله تعالى قد