ونقل محمد بن جرير عن بعضهم: أنَّ معنى قوله تعالى: ﴿فردوا أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ﴾ أي: سكتوا عن الجواب، يقال للرجل إذا أمسك عن الجواب: ردَّ يدهُ في فيه، إذ لم يجبه، ثمَّ زيف هذا الوجه وقال: إنَّهم أجابوا بالتَّكذيب وقالوا: إنَّا بما أرسلتم به كافرون وقالوا: «إنَّا كَفرْنَا بِمَا أرْسِلْتُم بِهِ»
قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ قرأ طلحة: «تَدعُونَّا» بإدغام نون الرفع في نون الضمير كما يدغم في نون الوقاية، والمعنى: في شكِّ مريب موقع في الريبة أي: ذي ريبة من أرابه، والريبة: لقلق النفس، وألاّ [تطمئن] إلى الأمر.
فإن قيل: لما ذكروا أنهم قالوا: إنَّا كافرون برسالتكم، وإن لم ندع هذا الجزم واليقين، فلا أقل من أن نكون شاكين مرتابين في صحة نبوتكم وعلى هذا التقدير فلا سبيل إلى الاعتراف بنبوتكم.
قوله تعالى: ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي الله شَكٌّ﴾ الآية لما قالوا للرُّسلِ: وإنا لفي شك، قالت لهم رسلهم وهل تشكون في الله، وهو فاطر السموات، والأرض وفاطر أنفسنا، وأرواحنا، وأرزاقنا إنَّا لا ندعوكم إلا لعبادة هذا الإله المنعم، ولا نمنعكم إلا من عبادة غيره، وهذه المعاني يشهد لها العقل بصحتها، فكيف قلتم: وإنَّا لفي شكٍّ؟.
قوله: ﴿أَفِي الله شَكٌّ﴾ استفهام بمعنى الإنكار، وفي «شكٌّ» وجهان:
أظهرهما: أنه فاعل بالجار قبله، وجاز ذلك لاعتماده على الاستفهام.
والثاني: أنه مبتدأ، وخبره الجار، والأولى أولى؛ بل كان ينبغي أن يتعين؛ لأنه يلزم من الثاني الفصب لبين الصفة، والموصوف بأجنبيّ، وهو المبتدأ وهذا بخلاف الأوَّل، فإ، الفاصل ليس أجنبيًّا، إذ هو فاعله، والفاعل كالجزء من رافعه.
ويدلُّ على ذلك تجوزيهم: «مَا رَأيْتُ رجلاً أحْسنَ في عَيْنهِ الكُحْلُ مِنهُ في عَيْنِ زيْدٍ» بنصب «أحْسَنَ» صفة ورفع «الكُحْلُ» فاعلاً ب «أفعل» ولم يضر الفصل به بين «أفْعَلَ» وبين «مِنْ» لكونه كالخبر من رافعه ولم يجيزوا رفع: أحْسَن «خبراً مقدماً، و» الكُحْلُ «مبتدأ مؤخر لئلا يلزم الفصل بين» أفعل «وبين» من «بأجنبي.
ووجه الاستشهاد في هذه المسألة: أنَّهم جعلوا المبتدأ أجنبيًّا بخلاف الفاعل ولهذه المسألة موضع غير هذا.
وقرأ العامة» فاطِرِ «بالجر وفيه وجهان: النعت والبدلية.
قال أبو البقاء وفيه نظر؛ لأنَّ الإبدال بالمشتقات يقلّ ولو جعله عطف بيان كان أسهل.