فصل
لما استدلْ بكونه فاطر السموات والأرض وصف نفسه بكمال الرحمة والكرم، والجود من وجهين:
الأول: قوله: ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾.
قال الزمخشريًُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «لو قال قائل: ما معنى التعبيض في قوله تعالى: ﴿مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ » ؟.
ثم أجاب: فقال ما جاء هكذا إلاَّ في خطاب الكفار، كقوله تعالى ﴿واتقوه وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ [نوح: ٣، ٤]، و ﴿ياقومنآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ [الأحقاف: ٣١] وقال في الخطاب للمؤمنين: ﴿هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الصف: ١٠] إلى أن قال: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [الصف: ١٢] قال: والاستقراء يدلُّ على صحَّة ما ذكرناه.
ثم قال: وكان ذلك للتَّفرقة بين الخطابين لئلا يسوَّى بين الفريقين في المعاد.
وقيل: أريد به: يغفر لهم ما بينهم وبين الله بخلاف ما بنيهم وبين العباد من المظالم.
وقال الواحدي: قال أبو عبيدة: «مِنْ» زائدة، وأنكر سيبويه زيادتها وإذا قلنا: ليست بزائدة، ففيها وجهان:
أحدهما: أنه ذكر البعض هنا، وأراد الجمع توسعاً.
والثاني: أن «مِنْ» ههنا للبدل، أي: لتكون المغفرة بدلاً من الذُّنوبِ فدخلت «مِنْ» لتضمن المغفرة معنى إبدالها م الذُّنوبِ.
وقال القاضي: ذكر الأصم أنَّ كلمة «مِنْ» ههنا تفيد التبعيض، أي: أنكم إذا [تبتم] يغفر لكم الذُّنوب التي هي من الكبائر، وأمَّا التي تكون من الصغائر، فلا حاجة إلى غفرانها؛ لأنها في أنفسها مغفورة.
قال القاضي: وقد أبعد في هذا التأويل؛ لأنَّ الكفار صغائرهم، ككبائرهم لا تغفر إلا بالتَّوبة، وإنما تكون الصَّغائر مغفورة من الموحدين من حيث يزيد ثوابهم على عقابهم فأمَّا من لا ثواب له أصلاً، فلا يكون شيء من ذنوبه صغيرة، فلا يغفر له له شيء، ثم قال: وفيه وجه آخر: وهو أنَّ الكافر قد ينسى بعض ذنوبه في حال توبته، وإيمانه؛ فلا يغفر له شيء من ذنوبه، فلا تكون المغفرة إلا لما ذكره وتاب عنه.