والثاني: أنها موصولة اسمية، والعائد محذوف على التدرج؛ إذ الأصل: آذيتمونا به، ثم حذف الباء فوصل الفعل إليه بنفسه وقرأ الحسن رَحِمَهُ اللَّهُ: بكسر لام الأمر في» فَليتَوكَّل «وهو الأصل.
والمراد بهذا التوكل على الله في دفع شر الكفار فلا يلزم التكرار وقيل: الأول لاستحداث التوكل، والثاني طلب دوامه.
قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ﴾ الآية لما حكى عن الأنبياء صلوات لله وسلامه عليهم توكلهم على الله في دفع شرور أعدائهم حكى عن الكفار أنهم بالغوا في السفاهة وقالوا: ﴿لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ أي لا بد من أحد الأمرين.
قوله: «لنخرنكم»
جواب قسم مقدر، كقوله: «ولنصبرن» وقوله: «أو لتعدن» في «أوْ» ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها على بابها من كونها لأحد الشيئين.
والثاني: أنها بمعنى: «حتَّى».
والثالث: أنها بمعنى «إلاَّّ» كقولهم: لألزمَنَّكَ أوْ تَقْضِينِي حَقِّي.
والقولان: الأخيران مردودان، إذ لا يصح تركيب «حتَّى» ولا تركيب «إلاَّ» مع قوله «لتَعُودُن» بخلاف المثال المتقدم، والعود هنا يحتمل أن يكون على بابه أي: لترجعن و «في ملَّتنا» متعلق به، وأن يكون بمعنى الصيرورة، فيكون الجار في محل نصب خبراً لها.
فإن قيل: هذا يوهم أنهم كانوا على ملتهم في أول الأمر حتى يعودا فيها.
فالجواب من وجوه:
أحدها: أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنَّما نشئوا في تلك البلاد؛ وكانوا من تلك القبائل وفي أول الأمر ما ظهروا المخالفة مع الكفار، بل كانوا ساكتين إلى حين الوحي فظن القوم أنهم كانوا على ملتهم لسكوتهم، فلهذا قالوا: ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾.
وثانيها: أن هذا الكلام الكفار ولا يجب في كل ما قالوه أن يكونوا صادقين.
وثالثها: قال الزمخشريُّ: «لعَوْدُ هنا بمعنى الصِّيرورة كثير في كلام العرب كثرة فاشية لا تكاد تسمعهم يستعملون:» صَارَ «ولكن عاد: ما عدت أراه، وعاد لا يكلمني ما عاد لفلان مالٍ».
ورابعها: أن الخطاب وإن كان في الظاهر مع الرسل إلا أنَّ المقصود بهذا الخطاب أتباعهم وأصحابهم، فغلبوا في الخطاب الجماعة، ولا بأس أن يقال: إنهم قبل ذلك الوقت كانوا على دين أولئك الكفار.


الصفحة التالية
Icon