واعلم أنه لم يتفق لشيءٍ من الكتب مثل هذه الحفظ؛ فإنه لا كتاب إلا وقد دخله التصحيف، والتحريف، والتغيير، إما في الكثير منه، أو في القليل، وبقاء هذا الكتاب مصوناً عن جميع جهات التَّحريف، مع أنَّ دواعي الملاحدة، واليهود، والنصارة، متوفرة على أبطاله وإفساده، فذلك من أعظم المعجزات.
فإن قيل: لم اشتغلت الصحابة بجمع القرآن في المصحف، وقد وعد الله عَزَّ وَجَلَّ بحفظه وما حفظ الله عَزَّ وَجَلَّ فلا خوف عليه؟.
فالجواب: أنَّ جمعهم للقرآن كان من أسباب حفظ الله إياه، فإنه تعالى لما أراد حفظه، فيَّضهم لذلك، وفي الآية دلالةٌ قويةٌ على كون البسملةِ آية من كل سورة؛ لأن الله تبارك وتعالى قد وعد بحفظ القرآن، والحفظُ لا معنى له إلاَّ أن يبقى مصُوناً عن التغيير وعن الزيادة، وعن النقصان فلو لو تكن التسمية آية من القرآن، لما كان مصوناً من التغيير والزيادة، ولو جاز أن يظنَّ بالصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أنهم زادوا، لجاز أيضاً أن يظنَّ بهم النقصان؛ وذلك يوجب خروج القرآن عن كونه حجَّة، وهذا لا دليل فيه؛ لأن أسماء السور أيضاً مكتوبةٌ معهم في المصحف، وليست من القرآن بالأجماع.
قوله: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾ مفعوله محذوف، أي: أرسلنا رُسُلاً ﴿مِن قَبْلِكَ﴾ ف ﴿مِن قَبْلِكَ﴾ يجوز أن يتعلق ب «أرْسَلْنَا»، وأن يتعلق بمحذوف على أنه نعتٌ للمعفو ل المحفوف.
و ﴿فِي شِيَعِ الأولين﴾، قال الفراء: هو من إضافة المصوف لصفته، والأصل: في الشِّيعِ الأوَّلين؛ كصَلاةِ الأولى، وجَانبِ الغربي حقِّ اليَقينِ، وجين القيمة.
والبصريون: يؤولنه على الحذف [الموصوف، أي: في شيعِ الأممِ الأولين، وجانب المكان الغربي، وصلاةِ السَّاعةِ الأولى.
والشِّيعُ: قال الفراء: الشَّاعُ واحدهم: شِيعَة، وشِيعَةُ الرجُلِ: أتْباعهُ، والشِّيعَةُ: وهم القوم المجتمعة المتفقة، سموا بذلك؛ لأن بعضهم يُشَاعُ بعضاً، وتقدم الكلام على هذا الحرف عند قوله تعالى: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً﴾ [الأنعام: ٦٥].


الصفحة التالية
Icon