قال الواحدي: «الخَزائِنُ: جمع الخِزانَة، وهي اسمُ المكمان الذي يُخْزنُ فيه الشيء، أي: يحفظ، والخِزانةٌ أيضاً عمل الخازن، ويقال: خَزَنَ الشَّيء يَخْزنهُ، إذ أحْرزَهُ».
و «خَزَائِنهُ» هو المطر؛ لأنه سبب الأرزاق، والمعايش لبني آدم، وسائر الحيوانات.
قوله: «إلاَّ بقدَرٍ معلوم» يجوز أن يتعلق بالفعل قبله، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنهخ حالٌ من المفعول، اي: إلا ملتبساً بقدرٍ.
قال ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: يريد: قدر الكفايةِ، لكل ارضِ حدُّ مقدرٌ، وقال الحكم: ما من عامٍ بأكثر مطرٍ، من عام آخر؛ ولكنه يمطر قومٌ، ويحرمُ آخرون، وربما كان في البرح، يعني أنه تعالى ينزل المطر كلَّ عامٍ بقدرٍ معلومٍ، غير أنَّه يصرفه إلى من يشاء حيث يشاء.
ولقائل أن يقول: لفظ الآية لا يدلُّ على هذا المعنى، فإن قوله تعالى: ﴿وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ﴾، لا يدلُّ على أنه تعالى ينزله في جميع الأعوامِ على قدر واحد، فتفسير الآية بهذا المعنى تحكُّمٌ بغير دليلٍ.
وقال ابنُ الخطيب: «وتخصيص قوله تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ﴾ بالمطر تحكم محضٌ؛ لأن قوله: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ﴾ يتناول جميع الأشياء، إلا ما خصه الدليل».
روى جعفر، عن محمدٍ، عن أبيه، عن جده، قال: في العرش مثال جميع ما خلق الله في البر، والبحر، وهو تأويل قوله: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ﴾.
قوله: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ﴾ الآية «لَواقِحَ» : حاتلٌ مقدرة من «الرِّياحِ»، وفي اللواقح أقوال:
أحدها: أنها جميع «مُلْقِح» ؛ لأنه من ألْقَحَ يُلقحُ، فهو ملقحٌ، وجمعه مَلاقح، فحذفت اليمم؛ تخفيفاً، يقال: ألْقحَتِ الريحُ السَّحاب، كما يقال: ألْقحَ الفَحْلُ الأنثَى؛ ومثله: الطَّوائِحشُ، وأصله المطارحُ؛ لأنه من أطَاحَ يُطِيحُ، قال: [الطويل]
٣٢٧١ - لِيُبْكَ يَزِيدُ ضَارعٌ لِخصًومَةٍ | ومُخْتَبِطٌ ممَّا تُطِيحُ الطَّوائِحُ |
والثاني: أنه جمع لاَقِح، يقال: لقَحَتِ الريحُ: إذا حملتِ الماء، وقال الأزهري: حَوامِلُ تَحْمِلُ السَّحابَ؛ كقولك: ألقحتِ الناقةُ، فلَقِحتْ، إذا حملتِ الجَنين: َ في بَطْنِهَا، فشُبِّهتِ الريحُ بِهَا؛ ومنه قوله: [الطويل]