أخْرَجَكُم «وهذا يقتضي أن يكون جعل السَّمع والبصر متأخِّراً عن الإخراج من البطن؛ وليس كذلك.
فالجواب: أنَّ حرف الواو لا يوجب التَّرتيب، وأيضاً إذا حملنا السمع على الإسماع والبصر على الرؤية، زال السؤال، هذا إذا جعلنا قوله - تعالى -:» وجَعلَ «معطوفاً على» أخْرَجَكُم «فيكون داخلاً فيما أخبر به عن المبتدأ ويجوز أن يكون مستأنفاً.
فصل
قيل: معنى الكلام: لا تعلمون شيئاً ممَّا أخذ عليكم من الميثاق في أصلاب آبائكم، وقيل: لا تعلمون شيئاً ممَّا قضى عليكم به من السَّعادة والشقاوة، وقيل: لا تعلمون شيئاً، أي: من منافعكم.
قال البغوي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «تمَّ الكلام عند قوله - تعالى -: ﴿لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً﴾ ثمَّ ابتدأ فقال: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة﴾ ؛ لأنَّ الله - تعالى - جعل هذه الأشياء لهم قبل الخروج من بطون الأمَّهات، وإنَّما أعطاهم العلم بعد الخروج».
وسيأتي الكلام في حكمة ذكره السمع بلفظ المصدر، والأبصار والأفئدة بلفظ الاسم في سورة السَّجدة إن شاء الله - تعالى -.
وقوله - تعالى -: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السمع﴾، أي لتسمعوا به الأمر والنهي، «والأبْصَارَ» أي: لتبصروا بها آثار منفعة الله، «والأفْئِدةَ» لتصلوا بها إلى معرفته - سبحانه وتعالى - وقوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾، أي: نِعَمه.
قوله - تعالى -: ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير مُسَخَّرَاتٍ﴾ الآية هذا دليلٌ آخر على كمال قدرة الله وحكمته.
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: «ألَمْ تَروْا» بالتاء من فوق، والباقون: بالياء على الحكاية لمن تقدَّم ذكره من الكفَّار.
قوله: ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ يجوز أن تكون الجملة حالاً من الضمير المستتر في «مُسخَّراتٍ»، ويجوز أن تكون حالاً من الطير، ويجوز أن تكون مستأنفة.
ومعنى «مُسخَّراتٍ» : مذللات، «في جوِّ السَّماءِ» وهو الهواءُ بين السَّماء والأرض؛ قال: [الطويل]
٣٣٥١ - فَلسْتُ لإنْسيٍّ ولكِنْ لمَلأكٍ | تَنزَّلَ من جوِّ السَّماءِ يَصُوبُ |