قوله تعالى: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صبروا﴾ قرأ ابن كثيرٍ، وعاصم وابن ذكوان: «وَلنَجْزينَّ» بنون العظمة التفاتاً من الغيبة إلى التكلُّم، وتقدم تقرير الالتفات.
والباقون بياء الغيبة رجوعاً إلى الله - تعالى -؛ لتقدم ذكره العزيز في قوله: ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ﴾.
قوله: ﴿بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ﴾ يجوز أن يكون [ «أفعل» ] على بابها من التفضيل، وإذا جازاهم بالأحسن، فلأن يجازيهم بالحسن أولى.
وقيل: ليست للتَّفضيل، وكأنهم فرُّوا من مفهوم أفعل؛ إذ لا يلزم من المجازاة بالأحسن المجازاة بالحسن، وهو وهمٌ، لما تقدَّم من أنَّه من مفهوم الموافقة بطريق الأولى، والمعنى: ولنجزين الذين صبروا على الوفاءِ في السَّراء والضَّراء ﴿بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
ثم إنه رغَّب المؤمنين في الإتيان بكلِّ ما كان من شرائع الإسلام؛ فقال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ وفيه سؤالٌ: وهو أن لفظة «مَنْ» في قوله: «مَن عَملَ» تفيد العموم، فما الفائدة في ذكر الذَّكر والأنثى؟.
والجواب: أن هذه الآية للوعد بالخيراتِ، والمبالغة في تقرير الوعد من أعظم دلائل الكرم والرَّحمة، فأتى بذكر الذَّكر والأنثى للتأكيد، وإزالة الوهم بالتخصيص.
قوله: «مِنْ ذَكرٍ» «مِنْ» للبيان، فتتعلق بمحذوف، أعني: من ذكرٍ، ويجوز أن يكون حالاً من فاعل «عَمِلَ»، وقوله: «وهُوَ مُؤمِنٌ» جملة حاليَّة أيضاً.
وهذه الآية تدلُّ على أن الإيمان مغاير للعمل الصالح؛ لأنه - تعالى - جعل الإيمان شرطاً في كون العمل الصَّالح موجباً للثَّواب، وشرط الشيء مغاير لذلك الشيشء.
فإن قيل: ظاهر الآية يقتضي أنَّ الإتيان بالعمل الصَّالح إنما يفيد الأثر بشرط الإيمان، وظاهر قوله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧] يدل على أن العمل الصالح يفيد الأثر سواء كان مع الإيمان أو عدمه.
فالجواب: أن إفادة العمل الصالح للحياة الطيبة مشروط بالإيمان، أمَّا إفادته لأثرٍ غير هذه الحياة الطيبة وهو تخفيف العذاب؛ فإنَّه لا يتوقف على الإيمان.

فصل


قال سعيد بن جبير - رَحِمَهُ اللَّهُ - وعطاء: «الحياة الطَّيِّبة: هي الرِّزقُ الحلال»


الصفحة التالية
Icon