قوله: «لأنْعُمِهِ» يجوز تعلقه ب «شَاكِراً» أو ب «اجْتَبَاهُ»، و «اجْتَبَاهُ» إما حال وإما خبر آخر ل «كان» و «إلى صِراطٍ» يجوز تعلقه ب «اجْتَبَاهُ» وب «هَدَاهُ» على [قاعدة] التنازع.
فإن قيل: لفظ الأنعم جمع قلَّة، ونعم الله على إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - كانت كثيرة فلم قال: «شَاكِراً لأنْعُمِهِ» ؟.
فالجواب: أنه كان شاكراً لجميع نعم الله سبحانه وتعالى القليلة، فكيف الكثيرة؟.
ومعنى «اجْتبَاهُ» : اختاره واصطفاه للنبوة، والاجتباء: هو أن يأخذ الشيء بالكليَّة، وهو «افْتِعَال» من «جَبَيْتُ» وأصله جمع الماء في الحوض، والجابية هي الحوض، ﴿وَهَدَاهُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ إلى دين الحقِّ.
﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدنيا حَسَنَةً﴾ يعني: الرِّسالة والخلَّة. وقيل: لسان صدق، وقال مقاتل بن حيان: هو قول المصلي: اللَّهُمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِ مُحمَّدٍ، كما صلَّيْتَ على إبْراهِيمَ.
وقال قتادة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - إن الله حبَّبه إلى كل الخلق. وقيل: أولاداً أبراراً على الكبر. ﴿وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين﴾ : في أعلى مقامات الصَّالحين في الجنة.
قوله - تعالى -: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ الآية.
لما وصف إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - بهذه الصِّفات العالية الشريفة، قال - جل ذكره - ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾. قال الزمخشري في «ثُمَّ» هذه: إنها تدلُّ على تعظيم منزلة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإجلال محله، والإيذان بأن الشَّرف ما أوتي خليل الرحمن من الكرامةِ، وأجل ما أولي من النِّعمة: اتباع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ملَّته، من قبل أنَّها دلت على تباعد هذا النَّعت في المرتبة من بين سائر النعوت التي أثنى الله - سبحانه وتعالى - عليه بها.
قوله تعالى: ﴿أَنِ اتبع﴾ يجوز أن تكون المفسرة، وأن تكون المصدرية، فتكون مع منصوبها مفعول الإيحاء.
قوله تعالى: «حَنِيفاً» حال، وتقدم تحقيقه في البقرة [الآية: ١٣٥].
وقال ابن عطية: قال مكِّي: ولا يكون - يعني: «حَنِيفاً» - حالاً من «إبْراهِيمَ» عليه السلام؛ لأنه مضاف إليه.
وليس كما قال؛ لأن الحال قد يعمل فيها حروف الجرِّ، إذا عملت في ذي الحال؛ كقولك: مَرَرْتُ بهِ قَائِماً.