يَشْتدُّونَ نحو الثَّنيَّةِ يقولون: لقَدْ قَصَّ مُحمَّد بَيْننا وبَيْنهُ، حتَّى أتَوْا كُدًى فجلسُوا عليْهَا، فجَعلُوا يَنْتظرُون مَتَى تَطلعُ الشَّمسُ فيُكَذِّبُونَهُ، إذ قال قَائلٌ منهم:» والله «هذه الشَّمسُ قد طَلعَتْ»
وقال آخرون: والله، هذه الإبلُ قد طلعتْ، يَقْدمُها بعيرٌ أورق، وفيها فلانٌ كما قال لهُم فلمْ يُؤمِنُوا، وقالوا: «إنْ هذَا إلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ».
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «لَقَدْ رَأيْتُني فِي الحِجْرِ، وقُريْشٌ تَسْألُنِي عَنْ مَسْرايَ، فَسألَتْنِي عَنْ أشْياءَ مِنْ بَيتِ المقْدسِ، لَمْ أثْبِتْهَا فَكرِبْتُ كَرَباً ما كَربْتُ مِثْلهُ قَطُّ، قَالَ: فَرفَعهُ الله إليَّ أنْظرُ إليْهِ، مَا يَسْألُونني عَنْ شَيءٍْ إلاَّ أنْبَأتُهمْ بِهِ، وقَدْ رَأيْتُني في جَماعَةٍ مِنَ الأنْبِياءِ، فإذا مُوسَى قَائمٌ يُصلِّي، فَإذا رَجلٌ بثَوْبٍ جَعْدٌ، كأنَّهُ مِنْ رِجالِ شَنُوءة، وإذَا عيسَى قائمٌ يُصلِّي، أقْربُ النَّاس بِهِ شَبَهاً عُروَةُ بنُ مسْعُودٍ الثَّقفيُّ، وإذا إبْراهيمُ قَائمٌ يصلِّي، أشبهُ النَّاس به شبهاً صَاحِبكُمْ - يَعْنِي نَفسَهُ - فحَانَتِ الصَّلاة، فأممْتُهُمْ فلمَّا فَرغْتُ مِنَ الصَّلاة، قَال لِي قَائِلٌ: هَذَا مَالكٌ صَاحبُ النَّار، فَسلِّمْ عَليْهِ، فالتَفَتُّ إليْهِ فَبَدأنِي بالسَّلام».
فصل
اختلفوا في الرؤية، فقال ابن عباس: رآهُ بفؤاده مرَّتين، وأبو هريرة أطلق الرؤية، وصرَّح ابن خزيمة وآخرون بالرُّؤية بالعينين، وهو اختيار أبي الحسن الأشعريِّ والنَّوويِّ في فتاويه، واستدلَّ من منع ذلك بما روى مسلم عن أبي ذرٍّ قال: قُلت: يا رسول الله، هَلْ رَأيْتَ ربَّك قال: «نُورٌ» وفي رواية: «رأيْتُ نُوراً».
وقالوا: لم يمكن رؤية الباقي بالعين الفانية، ولهذا قال تعالى لموسى فيما رُوِيَ في الكتب الإلهية: «يا مُوسَى، إنَّه لا يَرانِي حيٌّ إلاَّ مَاتَ ولا يابس إلا تَدَهْدَهَ».
قالت عائشة وجماعة: «إنَّ ذلك كان رُؤيا منامٍ».