فَخَرَّ صَرِيعاً لليَدَيْنِ وللْفَمِ
أي: على اليدين. وحروف الإضافة يقوم بعضها مقام بعضٍ؛ كقوله: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا﴾ [الزلزلة: ٥] أي: إليها.
والثاني: أنها بمعنى «إلى».
قال الطبريُّ: «أي: فغليها ترجعُ الإساءة».
الثالث: أنها على بابها، وإنما أتى بها دون «على» للمقابلة في قوله: «لأنْفُسكُمْ» فأتى بها ازدواجاً.
وهذه اللام يجوز أن تتعلق بفعل مقدرٍ كما تقدَّم في قول الطبريِّ، وإمَّا بمحذوف على أناه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فلها الإساءةُ لا لغيرها.
قال الواحدي: «لا بُدَّ في الآية من إضمارٍ؛ والتقدير: وقلنا:» إنْ أحسَنْتُم، أحسنتم لأنفُسِكُمْ «والمعنى: إنْ أحْسَنْتُمْ بفعل الطاعات، فقد أحسنتم إلى أنفسكم من حيث إن تفعلوا تلك الطاعة يفتح الله عليكم أبواب الخيرات والبركات وإن أسأتم بفعل المحرَّمات، أسأتم إلى أنفسكم من حيث إنَّ شُؤم تلك المعاصي يفتحُ الله عليكم أبواب العقوبة.
قال أهل المعاني:» هذه الآيةُ تدلُّ على أن رحمة الله تعالى غالبةٌ على غضبه؛ بدليل أنَّه لما حكى عنهم الإحسان، أعاده مرتين؛ فقال: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ﴾ ولما حكى عنهم الإساءة، اقتصر على ذكرها مرة واحدة، فقال: ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ ولولا أن جانب الرحمة غالبٌ، وإلاَّ لما كان ذلك «.
قوله:» فإذا جَاءَ وعدُ الآخِرةِ «، اي: المرَّة الآخرة، فحذفت» المرَّةُ «للدلالة عليها، وجواب الشرطِ محذوفٌ، تقديره: بَعَثْناهُم، ليَسًوءوا وُجُوهَكمْ، وإنما حسُن هذا الحذف لدلالة ما تقدَّم عليه من قوله: ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ﴾ [الإسراء: ٥] والمرةُ الآخرة هي إقدامهم على قتل زكريا ويحيى - عليهما الصلاة والسلام - وقصدهم قتل عيسى حين رفع.
قال الواحديُّ:» فبعث الله عليهم بختنصَّر البابليَّ المجوسيَّ، فسبى بني إسرائيل، وقتل، وخرَّب بيت المقدس، وسلَّط عليهم الفرس والرُّوم: خردوش وطيطوس؛ حتَّى قتلوهم، وسبَوْهُم، ونَفوهُمْ عن ديارهم «.
قال ابن الخطيب:» والتواريخُ تشهد أنَّ يختنصر كان قبل بعث عيسى وزكريَّا بسنين متطاولةٍ، ومعلوم أنَّ الملك الذي انتقم من اليهود بسبب هؤلاء ملكٌ من الرُّوم، يقال له: قُسطَنْطِينُ «.