بفاعله، لا يتعدَّى منه إلى غيره، كقوله تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى﴾ [النجم: ٣٩، ٤٠].
قال الكعبيُّ: «الآية دالةٌ على أنَّ العبد متمكِّن من الخير والشَّر، وأنه غير مجبورٍ على فعل بعينه أصلاً؛ لأنَّ قوله تعالى جلَّ ذكرهُ: ﴿مَّنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ إنما يليق بالقادر على الفعل المتمكِّن منه، كيف شاء وأراد، وأمَّا المجبور على أحد الطَّرفين، الممنوع من الطَّرف الثاني، فهذا لا يليق بهذه الآية» وتقدَّم الجواب. ثم إنه تعالى أعاد تقرير أنَّ كلَّ أحدٍ مختصٌّ بعمل نفسه، فقال تعالى: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾.
قال الزجاج: يقال: وَزَرَ يَزرُ، فهو وَازِرٌ وَوَزِرٌ وِزْراً وَزِرَة، ومعناه: أثِمَ يَأثمُ إثماً.
وقال: في تأويل الآية وجهان:
الأول: أنَّ المذنب لا يؤاخذُ بذنبِ غيره، بل كلُّ أحدٍ مختصٌّ بذنب نفسه.
والثاني: أنَّه لا ينبغي أن يعمل الإنسان بالإثم؛ لأنَّ غيره عمله كقول الكفَّار: ﴿إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣].
فصل
دلَّت هذه الآية على أحكام:
الأول: قال الجبائيُّ: في الآية دلالة على أنه تعالى لا يعذِّب الأطفال بكفر آبائهم، وإلاَّ لكان الطفل يؤاخذ بذنب أبيه. وذلك خلافُ ظاهر الآية.
الثاني: روى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه قال: «إنَّ المَيِّتَ ليُعذّبُ بِبُكاءِ أهلهِ عَليْهِ».
وطعنت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - في صحَّة هذا الخبر بهذه الآية. فإن تعذيب الميت ببكاء أهله أخذ للإنسان بجرم غيره، وهو خلاف هذه الآية.
والحديث لا شكَّ في صحَّته؛ لأنَّه في الصحيحين.
وفي الصحيحين أيضاً عن عمر بنِ الخطَّاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «إنَّ الميِّت يُعذَّبُ بِبُكاءِ الحيِّ».