قوله: ﴿قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن﴾ الآيات، وقد تقدَّم الكلام على مثلِ هذه الآية.
فصل
قال بعضهم: هب أنَّه ظهر عجز الإنسانِ عن معارضته؛ فكيف عرفتُم عجز الجنِّ؟ وأيضاً: فلم لا يجوز أن يقال: إن هذا الكلام نظم الجنِّ، ألقوهُ على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وخصُّوه به على سبيل السَّعي في إضلال الخلق؟ فعلى هذا: إنَّما تعرفون صدق محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إذا عرفتم أنَّ محمَّداً صادق في قوله: إنَّه ليس من كلام الجنِّ، بل من كلامِ الله تعالى؛ وحينئذٍ: يلزم الدور، وليس لأحدٍ أن يقول: كيف يعقل أن يكون هذا من قول الجنِّ؛ لأنا نقول: إنَّ هذه الآية دلَّت على وقوعِ التحدِّي من الجنِّ، وإنما يحسن وقوعُ هذا التحدِّي، لو كانوا فصحاء بلغاء، ومتى كان الأمرُ كذلك، كان الاحتمال المذكور قائماً.
فالجواب عن الأوَّل: بأنَّ عجز البشر عن معارضته يكون في إثبات كونه معجزاً.
وعن الثاني: أنَّ ذلك، لو وقع، لوجب في حكمة الله: أن يظهر ذلك التَّلبيسُ، وحيث لم يظهر ذلك، دلَّ على عدمه، وعلى أنَّ الله تعالى أجاب عن هذه الأسئلةِ بالأجوبة الشَّافية في آخر سورة الشعراء؛ في قوله: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ [الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٢] وسيأتي بيانه - إن شاء الله تعالى -.
قالت المعتزلة: هذه الآية تدلُّ على أنَّ القرآن مخلوقٌ؛ لأنَّ التحدِّي بالقديم محالٌ، وقد تقدَّمت هذه الآية في سورة البقرة.
قوله: ﴿لاَ يَأْتُونَ﴾ : فيه وجهان:
أظهرهما: أنه جوابٌ للقسمِ الموطَّأ له باللام.
والثاني: أنه جواب الشرط، واعتذروا به عن رفعه بأنَّ الشرط ماضٍ؛ فهو كقوله: [البسيط]
٣٤٦٢ - وإنْ أتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْألةٍ | يَقولُ لا غَائبٌ مَالِي ولا حَرِم |
٣٤٦٣ - لَئِنْ مُنِيتَ بِنَا عَنْ غِبِّ مَعْركةٍ | لا تُلْفِنَا مِنْ دِمَاءِ القَوْمِ نَنْتَفِلُ |