وقوله: ﴿تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ أي: هذا الذي يقولونه، لا يحكم به عقلهم وفكرهم البتَّة؛ لكنه في غاية الفساد والبطلان، فكأنَّه يجري على لسانهم على سبيل التقليلد ﴿إِن يَقُولُونَ﴾، أي: ما يقولون إلاَّ كذباً.
واختلف النَّاس في حقيقة الكذب، فقيل: هو الخبر الذي لا يطابقُ المخبر عنه.
وقيل: قال بعضهم: يشترط علم قائله بأنَّه غير مطابقٍ.
قال ابن الخطيب: وهذا القيد عندنا باطلٌ؛ لأنَّه تعالى وصف قولهم بإثبات الولد لله بكونه كذباً مع أن الكثير منهم يقول ذلك، ولا يعلم كونه كذباً باطلاً، فعلمنا أن كلَّ خبر لا يطابقُ المخبر عنه، فهو كذبٌ، سواءٌ علم القائل بكونه كذباً، أو لم يعلم.
ويمكن أن يجاب بأنَّ الله تعالى، إنما وصف علماءهم المحرِّفين للكلم عن مواضعه، ودخل المقلِّدون على سبيل التَّبع عليه.

فصل في الرد على النّظام


احتجَّ النظَّام على أنَّ الكلام جسمٌ بهذه الآية، قال: لأنَّه تعالى وصف الكلمة بأنَّها تخرجُ من أفواههم، والخروجُ عبارة عن الحركةِ، والحركةُ لا تصحُّ إلاَّ على الأجسام، وأجيب: بأنَّ الحروف والأصوات إنَّما تحدث بسبب خروجِ النفس من الحلق، فلما كان خروج النَّفسِ سبباً لحدوثِ الكلمةِ، أطلق لفظ الخروج على الكلمة.
والمقصود منه أنَّه قيل لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لا يعظم حزنك وأسفك؛ بسبب كفرهم، فإنَّا بعثناك منذراً ومبشّراً، فأما تحصيلُ الإيمان في قلوبهم، فلا قدرة لك عليه، والغرض منه تسلية الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
ومعنى: «بَاخعٌ نَفْسكَ» أي: قاتلٌ نفسك.
قال الليثُ: بخع الرَّجلُ نفيه إذا قتلها غيظاً من شدَّة وجده، والفاء في قوله: (فَلعلَّكَ) قيل: جواب الشرط، وهو قوله: ﴿إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ﴾ قدم عليه، ومعناه التأخير.
وقال الجمهور: جواب الشرط محذوف لدلالة قوله: «فَلعلَّكَ».
و «لَعلَّكَ» قيل: للإشفاق على بابها. وقيل: للاستفهام، وهو رأيُ الكوفيِّين. وقيل: للنَّهي، أي: لا تَبْخَعْ.


الصفحة التالية
Icon