وقال الزمخشري: «فإن قلت: لم أفرد الجنَّة، بعد التثنية؟ قلت: معناه: ودخل ما هو جنَّتهُ، ما له جنة غيرها، بمعنى: أنه ليس له نصيب في الجنة الَّتي وعد المتَّقون، فما ملكه في الدنيا، فهو جنَّته، لا غير، ولم يقصد الجنتين، ولا واحدة منهما».
فصل
قال أبو حيان: «ولا يتصوَّر ما قال؛ لأنَّ قوله: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ﴾ إخبار من الله تعالى بأنَّ هذا الكافر دخل جنَّته، فلا بدَّ أن قصد في الإخبار: أنه دخل إحدى جنتيه؛ إذ لا يمكن أن يدخلهما معاً في وقتٍ واحدٍ». قال شهاب الدين: من ادَّعى دخولهما في وقتٍ واحدٍ، حتَّى يلزمه بهذا المستحيلِ في البداية؟ وأمَّا قوله «ولم يقصد الجنَّتين، ولا واحدة» معناه: لم يقصد تعيين مفردٍ، ولا مثنى، لا أنه لم يقصد الإخبار بالدخول.
وقال أبو البقاء: «إنما أفرد؛ لأنَّهما جميعاً ملكهُ، فصارا كالشيء الواحد».
قوله: «وهُو ظَالِمٌ» حال من فاعل «دَخلَ»، وقوله «لنَفْسهِ» مفعول «ظَالِمٌ» واللام مزيدة فيه؛ لكون العامل فرعاً.
قوله: « ﴿مَآ أَظُنُّ﴾ فيه وجهان:
أحدهما: ان يكون مستأنفاً بياناً لسبب الظلم.
والثاني: أن يكون حالاً من الضَّمير في» ظَالِمٌ «، أي: وهو ظالمٌ في حال كونه قائلاً.
قوله:» أنْ تَبِيدَ «أي: تهلك، قال: [المقتضب]
٣٥٢٧ - فَلئِنْ بَادَ أهْلهُ | لبِما كَانَ يُوهَلُ |
قوله: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ﴾ يعني الكافر آخذاً بيد صاحبه المسلم يطوف به فيها، ويريه بهجتها وحسنها، وأخبره بصنوف ما يملكه من المال ﴿وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾ بكفره، وهذا اعتراضٌ وقع في أثناء الكلام، والمعنى أنه لمَّا اغترَّ بتلك النِّعم، وتوسَّل بها إلى الكفران والجحود؛ لقدرته على البعث، كان واضعاً لتلك النِّعم في غير موضعها، ﴿قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَداً﴾.
قال أهل المعاني: لما أذاقه حسنها وزهوتها، توهَّم أنها لا تفنى أبداً مطلقاً، ﴿وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً﴾ فجمع بين كفرين.