قوله: ﴿لاَ يَبْغُونَ﴾ : الجملة حال: إمَّا من صاحب «خَالِدينَ» وإمَّا من الضمير في «خَالِدِينَ» فتكون حالاً متداخلة.
والحِوَلُ: قيل: مصدر بمعنى «التَّحَوُّل» يقال: حال عن مكانه حِوَلاً؛ فهو مصدر؛ كالعِوَج، والعِوَد، والصِّغر؛ قال: [الرجز]

٣٥٧٤ - لِكُلِّ دَولةٍ أجَلْ ثم يُتَاحُ لهَا حِوَلْ
والمعنى: لا يطلبون عنها تحوُّلاً إلى غيرهاز
وقال الزجاج: «هو عند قومٍ بمعنى الحيلة في التنقُّل» وقال ابن عطيَّة: «والحِوَلُ: بمعنى التَّحول؛ قال مجاهد: مُتحوَّلاً» وأنشد الرَّجز المتقدم، ثم قال: «وكأنَّه اسمُ جمعٍ، وكأنَّ واحده حوالةٌ» قال شهاب الدين: وهذا غريبٌ، والمشهور الأول، والتصحيح في «فِعَلٍ» هو الكثير، إن كان مفرداً؛ نحو: «الحِوَلِ» وإن كان جمعاً، فالعكس؛ نحو: «ثِيرَة» و «كِبَرة».
قوله تعالى: ﴿قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي﴾ الآية.
لما ذكر في هذه السورة أنواع الدَّلائل والبيِّنات، وشرح فيها أقاصيص الأوَّلين، نبَّه على كمال حال القرآن، فقال: ﴿قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي﴾.
قال ابن عباس: قالت اليهود: يا محمد، تزعمُ أنّك قد أوتينا الحكمة، وفي كتابك ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ [البقرة: ٢٦٩].
ثم تقول: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [الإسراء: ٨٥].
فأنزل الله هذه الآية.
وقيل: لمَّا نزلت: ﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً﴾ قالت اليهود: أوتينا التوراة، وفيها علمُ كلِّ شيءٍ، فأنزل الله تعالى: ﴿قُل لَّوْ كَانَ البحر مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البحر قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي﴾.
والمِدَادُ: اسمٌ لما تمدُّ به الدَّواة من الحبرِ، ولما يمدُّ به السِّراجُ من السَّليط، وسمي المدادُ مداداً؛ لإمداده الكاتب، وأصله من الزيادة.
وقال مجاهدٌ: لو كان البحر مداداً للقلم والقلم يكتب «لنفِد البَحْرُ» أي: ماؤهُ.
قوله: «تنفد» : قرأ الأخوان «يَنْفدَ» بالياء من تحت؛ لأنَّ التأنيث مجازي،


الصفحة التالية
Icon