قال الزجاج: «لا» رد لقولهم، أي: ليس الأمر كما وصفوا، «جرم» [فعلهم] أي: كسب ذلك القول لهم النار، فعلى هذا اللفظ «أنَّ» في محلِّ نصبٍ بوقوع الكسب عليه.
وقال قطربٌ: «أنَّ» في موضع رفع، والمعنى: وجب أن لهم النَّار، وكيف كان الإعراب، فالمعنى: أنه يحق لهم النَّار، ويجبُ.
قوله: ﴿وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ﴾ قرأ نافعٌ بكسر الراء، اسم فاعل من أفرط، إذا تجاوز فالمعنى: أنهم متجاوزون الحد في معاصي الله - تعالى - أو في الإفراط، فأفعل هنا قاصر.
وقال الفارسيُّ: كأنه من أفرط، أي: صار ذا فرطٍ، مثل: أجرب، أي: صار ذا جرب، والمعنى: أنَّهم ذُو فرطٍ إلى النَّار كأنَّهم قد أرْسِلُوا إلى من يُهَيِّئُ لهُم مواضع إلى النَّار.
والباقون بفتحها، اسم مفعولٍ من: أفرطته، وفيه معنيان:
أحدهما: أنه من أفرطته خلفي، أي: تركته ونسيته، حكى الفراء أنَّ العرب تقول أفرطتُ منهم ناساً، أي: خلفتهم، والمعنى: أنَّهم مَنْسيُّونَ مَترُوكونَ في النَّار.
والثاني: أنه من أفرطته، أي: قدمته إلى كذا، وهو منقولٌ بالهمزة من فرط إلى كذا، أي: تقدَّم إليه، كذا قاله ابو حيان، وأنشد للقطامي: [البسيط]
٣٣٣٢ - واسْتَعْجلُونَا وكَانُوا مِنْ صَحابَتِنَا | كَمَا تعجَّل فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ |
وقال الزمخشريُّ: «بمعنى مقدَّمُون إلى النَّار معجَّلون إليها، من أفرطت فُلاناً وفرَّطتهُ، إذا قدَّمتهُ إلى المَاءِ».
فجعل «فَعَلَ»، و «أفْعَل» بمعنى؛ لأنَّ «أفْعَلَ» منقولٌ من «فَعَل» والقولان محتملان، ومنه الفرطُ، أي: المتقدم، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «أنَا فَرطُكمْ على الحَوْضِ»، أي: سابقكم، ومنه «جَعَلهُ فَرطاً لأبويه وذُخْراً»، أي: متقدماً بالشَّفاعة، وبتثقيل الموازين، والمعنى على هذا: أنهم قدموا إلى النَّار، وأنهم فرط الذين يدخلون بعدهم.