والمعنى الذي أورده صحيح، وأما كونها مشكلة فهو إنما بناها على قول الجمهور، والمشكل مقدر في بابه، فلا يضرنا القياس عليه لتقريره في مكانه. قوله: ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ﴾ يجوز أنْ يكونَ الجار متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الضمير في» مُعْرِضُونَ «وأن يكون خبراً من الضمير، ومعرضون خب ثان وقول أبي البقاء في هذا الجار: إنه خبر ثان. يعني في العدد وإلا فهو أول في الحقيقة. وقد يقال: لمّا كان في تأويل المفرد جعل المفرد الصيح مقدماً في الرتبة، فهو ثان بهذا الاختيار.
وهذه الجملة في محل نصب على الحال من» للنَّاسِ «.
فصل
نزلت في منكري البعث، والقرب لا يعقل إلا في المكان والزمان، والقرب المكاني هما ممتنع فتعين القرب الزماني. فإن قيل: كيف وصف بالاقتراب وقد عبر هذا القول اكثر من ستمائة عام؟
والجواب من وجوه:
الأول: أنه مقترب عند الله، لقوله تعالى:
﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ
بالعذاب
وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧].
الثاني: أنَّ كُلَّ آتٍ وإن طالت أوقات ترقبه، وإنما البعيد هو الذي انقرض قال الشاعر:
الثالث: أنَّ المقابلة إذا كانت مؤجلة إلى سنة ثم انقضى منها شهر، فإنه لا يقال: اقترب الأجل، أمَّا إذا كان الماضي أكثر من الباقي فإنه يقال: اقترب الأجل. فعلى هذا الوجه قال العلماء: إن فيه دلالة على قرب القيامة، ولهذا قال عليه السلام: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ» وقال عليه السلام: «ختمت النبوة» كل ذلك لأجل
٣٧٠٣ - فَمَا زَالَ مَا تَهْوَاهُ أَقْرَبَ مِنْ غَدٍ وَلاَ زَالَ ما تَخْشَاهُ أبعدُ مِنْ أمسِ