فإن قلت: ما الفرق بينهما من جهة المعنى؟ قُلْتُ: أحدهما: إعلام بأنه جعل فيها طرقاً واسعة، والثاني: أنه حين خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثمة. قال أبو حيان: يعني بالإبهام أن الوصف لا يلزم أن يكون الموصوف متصفاً به حالة الإخبار عنه، وإن كان الأكثر قيامه به حالة الإخبار عنه، ألا ترى أنه يقال: مررت بوحشيّ القاتل حمزة، وحالة المرور لم يمن قائماً به قتل حمزة. والفَجُّ الطَّرِيقُ الوَاسِعُ، والجمع الفِجَاج. والضمير في «فيها» يجوز أن يعود على الأرض وهو الظاهر كقوله
﴿والله جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطاً لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً﴾ [نوح: ١٩، ٢٠]. وأن يعود على الرواسي، يعني أنه جعل في الجبال طرقاً واسعة وهو قول مقاتل والضحاك ورواية عطاء عن ابن عباس وعن ابن عمر قال: كانت الجبال منضمة فلما أغرق الله قوم نوح فرّقها فجاجاً وجعل فيها طرقاً. وقوله ﴿لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ أي لكي يهتدوا إذ الشك لا يجوز على الله. والمعنى: ليهتدوا إلى البلاد. وقيل: ليهتدوا إلى وحدانية الله بالاستدلال قالت المعتزلة: وهذا يدل على أنه تعالى أراد من جميع المكلفين الاهتداء وقد تقدم.
وقيل: الاهتداء إلى البلاد والاهتداء إلى وحدانية الله تعالى يشتركان في أصل الاهتداء، فيحمل اللفظ على ذلك المشترك مستعملاً في مفهوميه معاً. قوله: ﴿وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً﴾ سميت سقفاً، لأنها كالسقف للبيت، ومعنى «محفوظاً» أي: محفوظاً من الوقوع كقوله: ﴿وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض﴾ [الحج: ٦٥]. وقيل: محفوظاً من الشياطين.
قوله: ﴿وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا﴾ جملة استئنافية، ويضعف جعلها حالاً مقدرة. وقرأ مجاهد وحميد «عَنْ آيَتِهَا» بلفظ الإفراد.
دعا الخلق آية وهي مشتملة على آيات، أو أطلق الواحد وأراد به الجنس