جعل ذات الإنسان كأنها خلقت من نفس العجلة دلالة على شدة اتصاف الإنسان بها، وأنها مادته التي أخذ منها كما قيل للرجل الذي هو حاد: نار تشعل العرب قد تسمى المرء بما يكثر منه، فتقول: ما أنت إلا أكل ونوم، وما هو إلا إقبال وإدبار، قال الشاعر:

٣٧١٥ - تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حتى إذَا ادَّكَرَتْ فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ
ويتأكد هذا بقوله: ﴿وَكَانَ الإنسان عَجُولاً﴾ [الإسراء: ١١].
قال المبرد: ﴿خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ﴾ أي من شأنه العجلة كقوله ﴿خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ﴾ [الروم: ٥٤] أي: ضُعَفَاء. ومثله في المبالغة من جانب النفي قوله عليه السلام: «لست من الدَّدِ وَلاَ الدِّدُ مِنِّي»، والدُّدُ: اللعب، وفيه لغات: دَدٌ محذوف اللام ودَدَا مقصوراً كعصا، ودَدَنٌ بالنون. وألفه في إحدى لغاته مجهولة الأصل لا يدري أهي عن ياء أو واو. وقيل: ﴿خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ﴾ أي بسرعة، وتعجيل من غير ترتيب خلق سائر الآدميين من النطفة ثم العلقة ثم المضغة ثم العظام ثم أنشأناه خلقاً آخر.
وقال أبو عبيدة: العَجَل الطين بلغة حمير قال شاعرهم:
٣٧١٦ - والنَّبْعُ في الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ مَنْبِتُهُ والنَّخْلُ يَنْبِتُ بَيْنَ المَاءِ وَالعَجَلِ
قال الزمخشري بعد إنشاده عجز هذا البيت: والله أعلم بصحته.
قال شهاب الدين: وهو معذور. وهذا الجار يحتمل تعلقه ب «خُلِقَ» على


الصفحة التالية
Icon