ثم قال: ﴿لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شك ونفاق، وخصهم بذلك، لأنهم مع كفرهم محتاجون إلى التدبر. (وأما المؤمنون فقد تقدم علمهم بذلك فلا يحتاجون إلى التدبر) وأما القاسية قلوبهم فهم المشركون المصرون على جهلهم باطناً وظاهراً. ثم قال: ﴿وَإِنَّ الظالمين لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ يريد أن هؤلاء المنافقين والمشركين. والمعنى: وإنهم. فوضع الظاهر موضع المضمر، قضى عليهم بالظلم وأبرزهم ظاهرين للشهادة عليهم بهذه الصفة الذميمة. والشقاق الخلاف الشديد والمعاداة والمباعدة سواء. وأما في حق المؤمنين فهو قوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ الذين أُوتُواْ العلم أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ﴾ ولنرجع إلى الإعراب فنقول:
قوله: ﴿إِلاَّ إِذَا تمنى أَلْقَى الشيطان﴾ في هذه الجملة بعد «إلاّ» ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها في محل نصب على الحال من «رَسُول» والمعنى: وما أرسلنا من رسول إلا حاله هذه، والحال محصورة.
والثاني: أنها في محل الصفة لرسول، فيجوز أن يحكم على موضعها بالجر باعتبار لفظ الموصوف، وبالنصب باعتبار محله، فإن «مِنْ» مزيدة فيه.
الثالث: أنها في موضع استثناء من غير الجنس. قاله أبو البقاء، يعني: أنه استثناء منقطع و «إذا» هذه يجوز أن تكون شرطية، وهو الظاهر، وإليه ذهب الحوفي، وأن تكون لمجرد الظرفية. قال أبو حيان: ونصوا على أنه يليها - يعني «إلا» - في النفي المضارع بلا شرط نحو ما زيد إلا يفعل، وما رأيت زيداً إلا يفعل، والماضي بشرط تقدم فعل نحو
﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ﴾ [الحجر: ١١]، أو مصاحبة (قد) نحو: ما زيد إلا قد فعل، وما جاء بعد (إلا) في الآية جملة شرطية ولم يلها ماض مصحوب ب (قد)، ولا


الصفحة التالية