قال تعالى: ﴿مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ﴾ [يس: ١٥]، وقد يطابق، ومنه هذه الآية وأما إفراد «مِثْلِنَا»، فلأنه يجري مجرى المصادر في الإفراد والتذكير، ولا يؤنث أصلاً، وقد يطابق ما هو له تثنية لقوله: ﴿مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ العين﴾ [آل عمران: ١٣] وجمعاً كقوله: ﴿ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم﴾ [محمد: ٣٨].
وقيل: أريد المماثلة في البشريّة لا الكمية. وقيل: اكتفى بالواحد عن الاثنين. ﴿وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾ جملة حالية.

فصل


«فَقَالُوا» يعني لفرعون وقومه ﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا﴾ يعنون موسى وهارون ﴿وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ﴾ مطيعون متذللون. قال أبو عبيدة: والعرب تسمي كل من دان لِملك عابداً له ويحتمل أن يقال: إنه كان يدعي الإلهية، وإن طاعة الناس له عبادة، ولمّا خطر ببالهم هذه الشبهة صرحوا بالتكذيب، ولمّا كان التكذيب كالعلّة لهلاكهم لا جَرَم رتّبه عليه بفاء التعقيب، فقال: ﴿فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُواْ مِنَ المهلكين﴾ أي: بالغرق (أي: فيمن حكم عليهم بالغرق) فإن الغرق لم يحصل عقيب التكذيب، (إنما حصل عقيب التكذيب) حكم الله - تعالى - عليهم بالغرق في الوقت اللائق به.
قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى الكتاب﴾ قيل: أراد قوم موسى، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ولذلك أعاد الضمير من قوله: «لَعَلَّهُم» عليهم.
وفيه نَظَر، إذ يجوز عود الضمير على القوم من غير تقدير إضافتهم إلى موسى، ويكون هدايتهم مترتبة على إيتاء التوراة لموسى. قال الزمخشري: لا يجوز أن يرجع الضمير في «لَعَلَّهُم» إلى فرعون وملئه لأن التوراة إنما أوتيت بنو إسرائيل بعد إغراق فرعون، بدليل قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا القرون الأولى﴾ [القصص: ٤٣].


الصفحة التالية