الطاعة وإن عصوا، ولأن قوله: ﴿يَعِظُكُمُ الله أَن تَعُودُواْ﴾، أي: لكي لا تعودوا لمثله، وذلك يدل على الإرادة، وتقدم الجواب عنه مراراً.
فإن قيل: هل يجوز أن يسمى الله واعظاً لقوله: «يَعِظُكُم اللَّهُ» ؟ فالأظهر أنه لا يجوز، كما لا يجوز أن يسمى الله معلماً لقوله: ﴿الرحمن عَلَّمَ القرآن﴾ [الرحمن: ١ - ٢].
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة﴾ الآية.
لمَّا بين ما على الإفك وعلى مَنْ سُمِع مِنْهُ وما ينبغي أن يتمسكوا به من آداب الدين أتبعه بقوله: ﴿إِنَّ الذين يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفاحشة﴾ ليعلم أن من أحب ذلك فقد شارك في هذا كما شارك فيه من فعله.
والإشاعة: الانتشار، يقال: في هذا العقار سهم شائع: إذا كان في الجميع ولم يكن منفصلاً. وشاع الحديث: إذا ظهر في الجميع ولم يكن منفصلاً. وشاع الحديث: إذا ظهر في العامة. والمعنى: ﴿إِنَّ الذين يُحِبُّونَ﴾ أن يظهر ويذيع الزنا ﴿فِي الذين آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدنيا والآخرة﴾ يعني: عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين والعذاب في الدنيا: الحد. وفي الآخرة: النار.
وظاهر الآية يتناول كل من كان بهذه الصفة.
والآية إنما نزلت في قَذَفَةِ عائشة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ثم قال: ﴿والله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ وهذا حسن الموقع في هذا الموضع، لأن محبة القلب كافية ونحن لا نعلمها إلا بالإبانة، وأما الله - سبحانه - فإنه لا يخفى عليه، وهذا نهاية في الزجر، لأن من أحبّ إشاعة الفاحشة وإن بالغ في إخفاء تلك المحبة فهو يعلم أن الله يعلم ذلك منه، ويعلم قدر الجزاء عليه.
وهذه الآية تدل على أن العزم على الذنب العظيم ذنب، وأن إرادة الفسق فسق، لأنه تعالى علق الوعيد بمحبّة إشاعة الفاحشة.
فصل
قالت المعتزلة: إن الله بالغ في ذم من أحب إشاعة الفاحشة، فلو كان تعالى هو