والثالثة زائدتان، فهل مجرورهما في محل نصب والثاني بدلٌ من الأول، والتقدير: ويُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ جِبالاً برداً، فيكون بدل كل من كل أو بعض من كل، أو الثاني في محل نصب مفعولاً ل «يُنَزِّل»، والثالث في محل رفع على الابتداء وخبره الجار قبله؟ خلافٌ، الأول قول الأخفش، والثاني قول الفراء، وتكون الجملة على قول الفراء صفة ل «جِبَال»، فيحكم على موضعها بالجر اعتباراً باللفظ، أو بالنصب اعتباراً بالمحل. ويجوز أن يكون «فِيهَا» وحده هو الوَصْفُ، ويكون «مِنْ بَرَدٍ» فاعلاً به لاعتماده، أي استقر فيها بردٌ. وقال الزجاج: «معناه: ويُنَزِّلُ من السماءِ من جبالٍ بَرَدٍ فيها، كما تقول: هذا خاتم في يدي من حديد، أي: خاتم حديد في يدي، وإنما جِئْتَ في هذا وفي الآية ب» مِنْ «لما فَرَّقْتَ، ولأنك إذا قلت: هذا خاتمٌ من حديدٍ، وخاتم حديدٍ، كان المعنى واحداً» انتهى.
فيكون «مِنْ بَرَدِ» في موضع جرٍّ صفة ل «جِبَالٍ» كما كان «مِنْ حَدِيدٍ» صفة ل «خَاتم»، ويكون مفعول: «يُنَزِّلُ» :«مِنْ جِبَالٍ»، ويلزم من كون الجبال بَرَداً أن يكون المُنَزَّلُ بَرَداً.
وقال أبو البقاء: والوجه الثاني: أن التقدير: شيئاً من جبال، فحذف الموصوف واكتفى بالصفة. وهذا الوجه هو الصحيح، لأن قوله: ﴿فِيهَا مِن بَرَدٍ﴾ يُحوجك إلى مفعول يعود الضمير إليه، فيكون تقديره: ويُنَزِّلُ مِنْ جِبَال السماء جبالاً فيها بَرَدٌ، وفي ذلك زيادة حَذْفٍ وتقدير مستغنًى عنه. وفي كلامه نَظَرٌ، لأن الضمير له شيءٌ يعود عليه وهو «السَّمَاء»، فلا حاجة إلى تقدير شيء آخر، لأنه مستغنى عنه، وليس ثَمَّ مانعٌ يمنع من عوده على «السَّمَاء».
وقوله آخراً: وتقدير يستغنى عنه ينافي قوله: وهذا الوجه هو الصحيح.


الصفحة التالية
Icon