غيرهما هو الحق، وهو أنّك أضللتهم فلما لم يقولوا ذلك بل نسبوا ضلالهم إلى أنفسهم، علمنا أنه تعالى لا يضل أحداً من عباده، فإن قيل: لا نسلم أن المعبودين ما تعرضوا لهذا القسم بل ذكروه، وقالوا: ﴿ولكن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حتى نَسُواْ الذكر﴾، وهذا تصريح بأن ضلالهم إنما حصل لأجل ما فعل الله بهم، وهو أنه تعالى متَّعهم وآباءهم بنعيم الدنيا. قلنا: لو كان الأمر كذلك لكان يلزم أن يصير الله محجوجاً في يد أولئك المعبودين، ومعلوم أنه ليس الغرض ذلك بل الغرض أن يصير الكافر محجوجاً مفحماً ملوماً.
وأجاب أهل السنة بأن القدرة على الضلالة إن لم تصلح للاهتداء فالإضلال من الله، وإن صلحت له لم يترجح اقتدارها للضلال على اقتدارها على الاهتداء إلا لمرجح من الله تعالى، وعند ذلك يزول السؤال.
وأما ظاهر الآية وإن كان لهم لكنه معارض بسائر الظوهر المطابقة لقولنا.
قوله: «هؤلاء» يجوز أن يكون نعتاً ل «عِبَادي» أو بدلاً أو بياناً.
قوله: «ضلّوا السَّبِيلَ» على حذف حرف الجر وهو «عن» كما صرح به في قوله ﴿يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: ١١٧] ثم اتُّسع فيه فحُذِف نحو هَدَى، فإنَّه يتعدَّى ب (إلى) وقد يُحْذَف اتساعاً. و «ضلَّ» مطاوع (أَضَلَّ). فإن قيل: إِنَّهُ تعالى كان عالماً في الأزل بحال المسؤول عنه فما فائدة هذا السؤال؟
فالجواب: هذا سؤال تقريع للمشركين كما قيل لعيسى ﴿أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله﴾ [المائدة: ١١٦]. فإن قيل: فما فائدة «أَنْتُمْ»، وهلاَّ قيل: أَأَضْلَلْتُمْ عبادي هؤلاء أم ضلوا السبيل؟
فالجواب: هذا سؤال عن الفاعل فلا بدَّ من ذكره حتى يعلم أنه المسؤول عنه.
وقوله:
«أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ | أَمْ هُمْ ضَلُّوا» (إنما قدم الاسم على الفعل) |