وقرأ الباقون باء الغيبة، والمراد الآلهة التي كانوا يعبدونها من عاقل وغيره، ولذلك غلب العاقل وأتى بواو الضمير، والمعنى: فما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب وأن يحتالوا لكم.
قوله: ﴿وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ﴾. قرأ العامة «نُذِقْهُ» بنون العظمة، وقرئ بالياء، وفي الفاعل وجهان:
أظهرهما: أنه الله تعالى لدلالة قراءة العامة على ذلك.
والثاني: أنه ضمير الظلم المفهوم من الفعل، وفيه تجوز بإسناد إذاقة العذاب إلى سببها وهو الظلم، والمعنى: ومن يشرك منكم نذقه عذاباً كبيراً.
فصل
تمسك المعتزلة بهذه الآية (في القطع بوعيد أهل الكبائر، قالوا: ثبت أن كلمة «مَنْ» في معرض الشرط للعموم، وثبت أن الكافر ظالم لقوله ﴿إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]، والفاسق ظالم لقوله: ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فأولئك هُمُ الظالمون﴾ [الحجرات: ١١] فثبت بهذه الآية) أن الفاسق لا يعفى عنه بل يعذب لا محالة.
والجواب: أنا لا نسلم أن كلمة «مَنْ» في معرض الشرط للعموم، والكلام فيه مذكور في أصول الفقه، سلمنا أنه للعموم لكن قطعاً أم ظاهراً؟ ودعوى القطع ممنوعة، فإنا نرى في العرف العام والاستعمال المشهور استعمال صيغ العموم مع إرادة الأكثر أو لأن المراد أقوام معينون ويدل عليه قوله تعالى ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٦] ثم إن كثيراً من الذين كفروا قد آمنوا فلا دافع أن يقال: قولنا «الَّذِينَ كَفَرُوا» كان يفيد العموم، لكن المراد منه إمَّا الغالب أو المراد منه أقوام مخصصون.
وعلى التقديرين ثبت أن استعمال ألفاظ العموم في الأغلب عرف ظاهر وإذا كان كذلك كانت دلالة هذه الصيغ على العموم دلالة ظاهرة لا قاطعة، وذلك لا ينفي تجويز العفو.