قال الزمخشري: ولو قرئ «يَمَشُّونَ» لكان أوجه لولا الرواية. يعني بالتشديد.
قال شهاب الدين: قد قرأ بها السُّلَمِيّ ولله الحمد.

فصل


روى الضحاك عن ابن عباس قال: لمَّا عيَّر المشركون رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقالوا: ﴿مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق﴾ [الفرقان: ٧] أنزل الله هذه الآية. يعني: ما أنا إلا رسول، وما كنت بدعاً من الرسل، وهم كانوا يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، كما قال في موضع آخر: ﴿مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ﴾ [فصلت: ٤٣]. ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾ أي: بلية، فالغني فتنة للفقير، (ويقول الفقير) : ما لي لم أكن مثله؟ والصحيح فتنة للمريض، والشريف فتنة للوضيع. قال ابن عباس: أي: جعلت بعضكم بلاء لبعض لتصبروا على ما تسمعون منهم، وترون من خلافهم وتتبعون الهدى.
وقال الكلبي والزجاج والفراء: نزلت في رؤساء المشركين وفقراء الصحابة فإذا رأى الشريف الوضيع قد أسلم قبله أَنِفَ أن يسلم، وأقام على كفره لئلا يكون للوضيع السابقة والفضل عليه، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ﴾ [الأحقاف: ١١] وقيل: هذا عام في جميع الناس، روى أبو الدرداء عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: «ويل للعالم من الجاهل، وويل للسلطان من الرعية، (وويل للرعية من السلطان)، وويل للمالك من المملوك، وويل للشديد من الضعيف، وللضعيف من الشديد بعضهم لبعض فتنة» وقرأ هذه الآية.
وروي عن ابن عباس والحسن هذا في أصحاب البلاء والعافية (هذا يقول لِمَ لَمْ أجعل مثله) في الخلق، والخلق، وفي العقل، وفي العلم، وفي الرزق، وفي الأجل.
وقيل: هذا احتجاج عليهم في تخصيص محمد بالرسالة مع مساواته لهم في البشريّة وصفاتها، فالمرسلون يتأذون من المرسل إليهم بأنواع الأذى على ما قال: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الذين أشركوا أَذًى كَثِيراً﴾ [آل عمران: ١٨٦]،


الصفحة التالية
Icon