اعتقاد تحسيني بفعله ابتداء من غير أن يكون له موجب، فثبت بهذا أن العلوم بأسرها ضرورية، وثبت أن مبادىء الأفعال هي العلوم، وأفعال العباد بأسرها ضرورية فالإنسان مضطر في صورة مختار، فثبت أن الله تعالى هو الذي (زين لكل عامل عمله، والمراد من التزيين هو الذي) المضار والآفات، فثبت بهذه الدلائل العقلية القاطعة وجوب إجراء هذه الآية على ظاهرها. وأما المعتزلة فتأولوها بوجوه:
أحدها: أن المراد بينا لهم أمر الدين، وما يلزمهم أن يتمسكوا به، وزيناه بأن بينا حسنه وما لهم فيه من الثواب، لأن التزيين من الله للعمل ليس إلا وصفه بأنه حسن واجب وحميد العاقبة، وهو المراد من قوله: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الأيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾
[الحجرات: ٧].
وقوله: «فَهُمْ يَعْمَهُونَ» يدل على ذلك، إذ المراد: فهم يعدلون ويتخيرون عما زينا من أعمالهم.
وثانيها: أنه تعالى لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق، جعلوا إنعام الله عليها بذلك ذريعة إلى اتباع شهواتهم، وعدم الانقياد لما يلزمهم من التكاليف، فكأنه تعالى زين بذلك أعمالهم، ولذلك أشارت الملائكة عيلهم السلام بقولهم: ﴿ولكن مَّتَّعْتَهُمْ﴾ [الفرقان: ١٨] ﴿وَآبَآءَهُمْ حتى نَسُواْ﴾ [الفرقان: ١٨] ﴿الذكر﴾ [الفرقان: ١٨].
وثالثها: أن إمهاله الشيطان وتخليته حتى يزين لهم ملابسة ظاهرة للتزيين، فأسند إليه.
والجواب عن الأول: أن قوله تعالى: ﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ صيغة عموم، فوجب أن يكون الله تعالى قد زين لهم كل أعمالهم حسناً أو قبيحاً.
وعن الثاني: أن الله تعالى لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق فهل لهذه الأمور في ترجيح فاعلية المعصية على تركها أثر، وليس لها أُر، وليس لها أثر فيه، فإن كان الأول فقد دللنا على أن التحصيل متى حصل فلا بد أن ينتهي إلى حد الوجودب والاستلزام وحينئذ يحصل الغرض - وإن لم يكن له فيه أُر - صارت هذه الأشياء بالنسبة إلى أعمالهم كصرير الباب ونعيق الغراب، بالنسبة إلى أعمالهم، وذلك يمنع من إسناد فعلهم


الصفحة التالية
Icon