بعثته المسيح، ومن جبال فاران بعثته المصطفى منها، وفاران: مكة. وهل كان ذلك نوره عَزَّ وَجَلَّ؟
قال سعيد بن جبير: كانت النار بعينها، والنار إحدى حجب الله تعال، كما جاء في الحديث: «حجابُهُ النَّارُ لَوْ كَشَفَهَا لأَحْرَقَتَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ ما انتهى إليه بَصَرُهُ من خلقه» والسبب الذي لأجله بوركت البقعة، وبورك من فيها وحواليها: حدوث هذا الأمر العظيم فيها، وهو تكليم موسى وجعله رسولاً، وإظهار المعجزات عليه، ولهذا جعل الله أرض الشام موسومة بالبركات في قوله: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأرض التي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ [الأنبياء: ٧] وحقت أن تكون كذلك، فهي مبعث الأنبياء عليهم السلام ومهبط الوحي، وكفاتهم أحياء وأمواتاً.
ولما نزه نفسه، - وهو المنزه من كل سوء وعيب - تعرف إلى موسى بصفاته في قوله: ﴿ياموسى إِنَّهُ أَنَا الله العزيز الحكيم﴾. في اسم «إنَّ» وجهان: أظهرهما أنَّه ضمير الشأن ( «وَأَنَّا اللَّهُ» مبتدأ) وخبره، و «العزيز الحَكِيمُ» صفتان لله.
والثاني: أنه ضمير راجع إلى دلَّ عليه ما قبله، يعني: إن مكلِّمك أنا، و «الله» بيان ل «أَنَا»، و «العَزِيزُ الحَكِيمُ» : صفتان للبيان قاله الزمخشري. قال أبو حيان، وإذا حذف الفاعل وبني الفعل للمفعول فلا يجوز أن يعود الضمير على ذلك المحذوف: إذ قد غيِّر الفعل عن بنائه له وعزم على أن لا يكون محدِّثاً عنه، فعود الضمير إليه ممَّا ينافي ذلك؛ إذ يصير معتنًى به. قال شهاب الدين: وفيه نظر، لأنه قد يلتفت إليه، وقد تقدم ذلك في البقرة عند قوله: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ﴾ [البقرة: ١٧٨]، ثم قال: «وَأَدَاءٌ إلَيْهِ»، قيل: إلا الذي عفي له وهو وليُّ الدم ما تقدم تحريره ولئن سلِّم ذلك، فالزمخشري لم يقل إنه عائد على ذلك الفاعل، إنما قالك راجع إلى ما دل عليه ما قبله يعني من (السِّياق).