فصل
قال الزمخشري: في ﴿واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب﴾ معنيان:
أحدهما: أنّ موسى عليه السلام لمَّا قلب الله له العصا حيَّةً فزع واضطر واتقاها بيده كما يفعل الخائف من الشيء، فقيل له: إنَّ اتقاءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء فإذا ألقيتنا وقد انقلبت حية فأدخل يدك مكان اتقائك بها، ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران: اجتناب ما منه غضاضة عليك، وإظهار معجزة أخرى، والمراد بالجناح اليد، لأن يد الإنسان بمنزلة جناح الطائر، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضد اليسرى، فقد ضم جناحه إليه.
(الثاني: أن يراد بضم جناح ة تجلده وضبطه نفسه وتشدده عند انقلاب العصا حيَّة حتى لا يضطرب) ولا يرهب، استعارة من فعل الطائر لأنه إذا خاف نَشَرَ جناحية وأرخاهُما، وإلا فجناحاه منضمان إليه مستمران ومعنى قوله «مِنَ الرَّهْب» أي: من أجل الرهب إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك (ومعنى ﴿واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرهب﴾ ) وقوله «اسْلُكْ يَدَكَ» على أحد التفسيرين واحد، وإنما خُولِفَ بين العبارتين وكرَّر المعنى لاختلاف الغرضين، وذلك أنَّ الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء، وفي الثاني إخفاء الرهب. قال البغوي: المعنى إذا هَالَك أمر يدك وما ترى من شعاعها، فأدخِلْها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى، والجناح اليد كلها وقيل: العضد. وقال عطاء عن ابن عباس: مره الله (أن يَضُمَّ) يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية. وقال: ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه.
وقال مجاهد: كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع، وقيل: المراد من ضم الجناح السكون، أي: سكّن روعَك واحفظ عليك جأشك، لأن من شأن الخائف أن يضطرب عليه قلبه وترتعد يداه، ومثله قوله: ﴿واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل﴾ [