وكان كذاباً فبفرض العبادات عليه يظهر منه ذلك ويعلم.
وفي قوله: «الَّذِينَ صَدَقُوا» بصيغة الفعل، وفي قوله: «الكَاذِبِينَ» فائدة مع أن الاختلاف في اللفظ أدل على الفصاحة وهي أن اسم الفاعل يدل في كثير من المواضع على ثبوت المصدر في الفاعل ورسوخه فيه، والفعل الماضي لا يَدُلُّ عليه، كما يقال: فُلاَن شَرِبَ الخَمْرَ، وفلانٌ شَارِبٌ الخَمْرَ، وفلان نفذ أَمْرُهُ، وفلان نافذ أمره، لا يفهم من صيغة الفعل التكرار والرسوخ، ويفهم من اسم الفاعل ذلك إذا ثبت هذا فنقول: وقت نزول الآية كانت الحكاية في قومٍ قرباءِ العهد بالإسلام في أوائل إيجاب التكاليف، وعن قوم قديمين في الكفر، مستمرين فيه. فقال في حق المؤمنين: «الذين صدقوا» بصيغة الفعل أي وُجِدَ منهم الصدق وقال في حق الذين كفروا: «الكاذبين» بالصيغة المفهمة للثبات والدوام، فلهذا قال: ﴿يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ﴾ [المائدة: ١١٩] بلفظ اسم الفاعل، لأن في اليوم المذكور يكون الصدق قد رسخ في المؤمن وهو اليوم الآخر.
قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات﴾ «أم» هذه منقطعة، فتقدر ببل والهمزة عند الجمهور، والإضراب انتقال لا إبطال.
قال ابن عطية: أم معادلة للألف في قوله: «أحسب» وكأنه عزّ وجلّ قرر الفريقين، قرر المؤمنين أنهم لا يفتنون، وقرر الكافرين أنهم يسبقون نقمات الله.